للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فقال: قول وعمل ونيّة، وسنّة، لأنّ الإيمان إذا كان قولا بلا عمل فهو كفر، وإذا كان قولا وعملا بلا نيّة فهو نفاق، وإذا كان قولا وعملا ونيّة بلا سنّة فهو بدعة «١» .

والخلاصة أنّ لفظ الإيمان إذا أطلق في القرآن والسّنّة يراد به ما يراد بلفظ البرّ، وبلفظ التّقوى، وبلفظ الدّين، فإنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بيّن أنّ الإيمان بضع وسبعون شعبة، أفضلها قول لا إله إلّا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطّريق، وكذلك لفظ البرّ يدخل فيه جميع ذلك إذا أطلق، وكذلك لفظ التّقوى، وكذلك لفظ الدّين أو دين الإسلام «٢» .

[أصل الإيمان:]

وأصل الإيمان تصديق وإقرار ومعرفة وهو من باب قول القلب المتضمّن عمل القلب، والأصل في عمل القلب التّصديق والعمل تابع له، ولهذا فسّر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الإيمان بإيمان القلب وبخضوعه «٣» ، وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وفسّر الإسلام باستسلام مخصوص هو المباني (أي الأركان) الخمس، وقد قال صلّى الله عليه وسلّم أيضا: «الإسلام علانية والإيمان في القلب» ، إشارة إلى أنّ أعمال الإسلام يراها النّاس، وما في القلب من تصديق ومعرفة وحبّ وخشية ورجاء فهذا باطن، لكن له لوازم تدلّ عليه، مصداق ذلك ما جاء في حديث عبد الله بن عمرو وأبي هريرة جميعا أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه النّاس على دمائهم وأموالهم» ففسّر المسلم بأمر ظاهر وهو سلامة النّاس منه، وفسّر المؤمن بأمر باطن هو أن يأمنوه على دمائهم وأموالهم، وهذه الصّفة أعلى من تلك، فإنّ من كان مأمونا سلم النّاس منه، وليس كلّ من سلموا منه يكون مأمونا فقد يترك أذاهم، وهم لا يأمنون إليه، خوفا أن يكون ترك أذاهم لرغبة أو رهبة، لا لإيمان في قلبه «٤» . يؤكّد هذا أيضا ما جاء في حديث عمرو بن عبسة أنّ رجلا قال للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ما الإسلام؟ قال: «إطعام الطّعام ولين الكلام» قال: فما الإيمان؟ قال: السّماحة والصّبر» حيث إنّ إطعام الطّعام عمل ظاهر وكذلك لين الكلام، وأمّا السّماحة والصّبر فخلقان في النّفس «٥» .

[التصديق والإيمان ليسا مترادفين:]

نفى ابن تيميّة التّرادف التّامّ بين الإيمان والتّصديق عند ما ذهب إلى أنّ الإيمان أخصّ منه «٦» لأنّه تصديق يستعمل على نحو مخصوص، فآمن بمعنى صدّق لا تستعمل متعدّية بنفسها ولا بالباء، وإنّما متعدّية باللّام فقط، فهذا فرق في الاستعمال اللّغويّ، وأمّا من جهة الدّلالة أو المعنى فقال- رحمه الله تعالى-: إنّ الإيمان ليس مرادفا للفظ التّصديق في المعنى، لأنّ كلّ مخبر عن مشاهدة أو غيب يقال له في


(١) الفتاوى (٧/ ١٧٠- ١٧١) بتصرف واختصار.
(٢) المرجع السابق (٧/ ١٧٩) باختصار.
(٣) يشير- رحمه الله- بذلك إلى ما جاء في حديث جبريل عند ما سأله: ما الإيمان؟.
(٤) باختصار وتصرف يسير عن «الفتاوى» (٧/ ٢٦٣- ٢٦٤) .
(٥) المرجع السابق (٢٦٤) .
(٦) وهذا لا ينفي أن يكون هناك ترادف جزئي أي أنهما قد يستعملان أحيانا في نفس السياق كأن يقال: ما أنت بمصدّق لي، وما أنت بمؤمن لي.