للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكثير من النّاس لا يستحضر عند التّوبة إلّا بعض المعاصي المتّصفات بالفاحشة أو مقدّماتها أو بعض الظّلم باللّسان أو اليد، وقد يكون ما تركه من المأمور الّذي يجب عليه في باطنه وظاهره من شعب الإيمان وحقائقه أعظم ضررا عليه ممّا فعله من بعض الفواحش؛ فإنّ ما أمر الله به من حقائق الإيمان الّتي بها يصير العبد من المؤمنين حقّا أعظم نفعا من نفع ترك بعض الذّنوب الظّاهرة، كحبّ الله ورسوله، فإنّ هذا أعظم الحسنات الفعليّة. والنّاس في غالب أحوالهم لا يتوبون توبة عامّة مع حاجتهم إلى ذلك؛ فإنّ التّوبة واجبة على كلّ عبد في كلّ حال، لأنّه دائما يظهر له ما فرّط فيه من ترك مأمور أو ما اعتدى فيه من فعل محظور، فعليه أن يتوب دائما «١» .

[شمول التوبة لكل مراتب الدين (الإسلام، الإيمان، الإحسان) :]

قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: التّوبة هي حقيقة دين الإسلام، والدّين كلّه داخل في مسمّى التّوبة وبهذا استحقّ التائب أن يكون حبيب الله. فإنّ الله يحبّ التّوّابين ويحبّ المتطهّرين. وإنّما يحبّ الله من فعل ما أمر به. وترك ما نهي عنه. فإذا التّوبة هي الرّجوع عمّا يكرهه الله ظاهرا وباطنا إلى ما يحبّه ظاهرا وباطنا. ويدخل في مسمّاها الإسلام، والإيمان، والإحسان. وتتناول جميع المقامات. ولهذا كانت غاية كلّ مؤمن، وبداية الأمر وخاتمته وهي الغاية الّتي وجد لأجلها الخلق. والأمر والتّوحيد جزء منها، بل هو جزؤها الأعظم الّذي عليه بناؤها.

وأكثر النّاس لا يعرفون قدر التّوبة ولا حقيقتها، فضلا عن القيام بها علما وعملا وحالا. ولم يجعل الله تعالى محبّته للتّوّابين إلّا وهم خواصّ الخلق لديه، ولولا أنّ التّوبة اسم جامع لشرائع الإسلام وحقائق الإيمان لم يكن الرّبّ تعالى يفرح بتوبة عبده ذلك الفرح العظيم، فجميع ما يتكلّم فيه النّاس من المقامات والأحوال هو تفاصيلها وآثارها «٢» .

[للاستزادة: انظر صفات: الاستغفار- الإنابة الدعاء- الرجاء- الضراعة والتضرع- الخوف- الخشية- تذكر الموت- الإخبات.

وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإصرار على الذنب- طول الأمل- اتباع الهوى- الإعراض- الغفلة- القنوط- التفريط والإفراط- اللهو واللعب] .


(١) مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (١٠/ ٣٢٨- ٣٣٠) بتصرف.
(٢) مدارج السالكين (١/ ٣٠٦، ٣٠٧) .