للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وجلّ- حليم عن عباده؛ لأنّه يعفو عن كثير من سيّئاتهم ويمهلهم بعد المعصية ولا يعاجلهم بالعقوبة والانتقام ويقبل توبتهم بعد ذلك «١» .

[الحلم اصطلاحا:]

اختلف في الحلم اصطلاحا على أقوال أهمّها:

الأوّل: قال الرّاغب: الحلم ضبط النّفس والطّبع عند هيجان الغضب «٢» .

الثّاني: قال الجاحظ: الحلم ترك الانتقام عند شدّة الغضب مع القدرة على ذلك «٣» .

الثّالث: قال الجرجانيّ: الحلم هو الطّمأنينة عند سورة الغضب، وقيل: تأخير مكافأة الظّالم (أي مجازاته بظلمه) «٤» .

الرّابع: قال ابن المناويّ: الحلم هو احتمال الأعلى الأذى من الأدنى أو رفع المؤاخذة عن مستحقّها بالجناية في حقّ مستعظم. أو هو رزانة في البدن يقتضيها وفور العقل «٥» .

[الحلم بالتحلم:]

قال ابن حبّان- رحمه الله تعالى-: الحلم منه ما يكون سجيّة وطبعا ومنه ما يكون تجربة وتكلّفا، ومنه ما يكون مركّبا منهما معا، وأوّل الحلم: المعرفة ثمّ التّثبّت، ثمّ العزم، ثمّ التّصبّر، ثمّ الصّبر، ثمّ الرّضا، ثمّ الصّمت، والإغضاء، وما الفضل إلّا للمحسن لمن أساء، فأمّا من أحسن إلى المحسن، وحلم عمّن لم يؤذه، فليس ذلك بحلم ولا إحسان، والنّاس بالنّسبة للمرء ضروب ثلاثة: رجل أعزّ منك ورجل أنت أعزّ منه، ورجل ساواك في العزّ، فالتّجاهل على من أنت أعزّ منه لؤم، وعلى من هو أعزّ منك جنف وعلى من هو مثلك هراش كهراش الكلبين، ونقار كنقار الدّيكين، ولا يفترقان إلّا عن الخدش والعقر والهجر ولا يكاد يوجد التّجاهل وترك التّجالم إلّا من سفيهين، وقد قيل:

ما تمّ حلم ولا علم بلا أدب ... ولا تجاهل في قوم حليمان

وما التّجاهل إلّا ثوب ذي دنس ... وليس يلبسه إلا سفيهان

فالواجب على العاقل إذا غضب واحتدّ أن يذكر كثرة حلم الله عنه مع تواتر انتهاكه محارمه وتعدّيه حرماته ثمّ يحلم ولا يخرجه غيظه إلى الدّخول في أسباب المعاصي.

ولذلك قال محمّد بن السّعديّ لابنه عروة لمّا وليّ اليمن: إذا غضبت فانظر إلى السّماء فوقك وإلى الأرض تحتك، ثمّ عظّم خالقهما.

[والحلم على ضربين:]

أحدهما: ما يرد على النّفس من قضاء الله من المصائب الّتي امتحن الله بها عباده فيصبر العاقل تحت ورودها ويحلم عن الخروج إلى ما لا يليق بأهل العقل.


(١) اشتقاق أسماء الله للزجاجي (٩٦) .
(٢) مفردات الراغب (١٢٩) ، وقد عرفه الماوردي (أدب الدنيا والدين (٢٦١) بالتعريف نفسه ولكنه لم يذكر الطبع.
(٣) تهذيب الأخلاق (٢٣) .
(٤) التعريفات (٩٢) .
(٥) التوقيف على مهمات التعريف (١٤٦) .