[الأدب والتأديب والتأدب:]
يتفرّع عن الأدب بمعناه السّابق أمران أو صفتان يرجعان إليه ويستعملان بمعناه هما:
التّأدّب: بمعنى التّصرّف اللّائق الّذي يتّفق مع المروءة.
والتّأديب: وهو تعليم فضيلة من الفضائل ومعاقبة من يخالف ذلك على إساءته وسمّيت المعاقبة تأديبا؛ لأنّها تدعو إلى حقيقة الأدب بمعنى الرّياضات المحمودة الّتي يتخرّج بها الإنسان على فضيلة من الفضائل.
[أنواع الأدب:]
قال ابن القيّم: والأدب ثلاثة أنواع: أدب مع الله سبحانه وتعالى، وأدب مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وشرعه، وأدب مع خلقه.
أولا: الأدب مع الله- عزّ وجلّ-:
الأدب مع المولى تبارك وتعالى ثلاثة أنواع:
أحدها: صيانة معاملته أن يشوبها بنقيصة.
الثّاني: صيانة قلبه أن يلتفت إلى غيره.
الثّالث: صيانة إرادته أن تتعلّق بما يمقتك عليه.
فالأدب مع الله حسن الصّحبة معه، بإيقاع الحركات الظّاهرة والباطنة على مقتضى التّعظيم والإجلال والحياء.
وحقيقة الأدب استعمال الخلق الجميل. ولهذا كان الأدب: استخراج ما في الطّبيعة من الكمال من القوّة إلى الفعل.
فإنّ الله سبحانه هيّأ الإنسان لقبول الكمال بما أعطاه من الأهليّة والاستعداد، الّتي جعلها فيه كامنة كالنّار في الزّناد. فألهمه ومكّنه، وعرّفه وأرشده. وأرسل إليه رسله. وأنزل إليه كتبه لاستخراج تلك القوّة الّتي أهّله بها لكماله إلى الفعل. قال الله تعالى: وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها* فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها* قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها* وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (الشمس/ ٧- ١٠) .
فعبّر عن خلق النّفس بالتّسوية والدّلالة على الاعتدال والتّمام. ثمّ أخبر عن قبولها للفجور والتّقوى. وأنّ ذلك نالها منه امتحانا واختبارا. ثمّ خصّ بالفلاح من زكّاها فنمّاها وعلّاها ورفعها بآدابه الّتي أدّب بها رسله وأنبياءه وأولياءه، وهي التّقوى، ثمّ حكم بالشّقاء على من دسّاها، فأخفاها وحقّرها، وصغّرها وقمعها بالفجور. والله سبحانه وتعالى أعلم.
أدب الرسول صلّى الله عليه وسلّم مع الله- عزّ وجلّ-:
وجرت عادة القوم: أن يذكروا في هذا المقام قوله تعالى عن نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، حين أراه ما أراه ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (النجم/ ١٧) . وصدّر باب الأدب بهذه الآية.
وكأنّهم نظروا إلى قول من قال من أهل التّفسير:
إنّ هذا وصف لأدبه صلّى الله عليه وسلّم في ذلك المقام، إذ لم يلتفت جانبا، ولا تجاوز ما رآه، وهذا كمال الأدب، والإخلال به: أن يلتفت النّاظر عن يمينه وعن شماله، أو يتطلّع أمام المنظور. فالالتفات زيغ، والتّطلّع إلى ما أمام المنظور: طغيان ومجاوزة. فكمال إقبال النّاظر على المنظور: أن لا يصرف بصره عن يمنة ولا يسرة. ولا يتجاوزه.