للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والنّهي عن المنكر: نهي عمّا تميل إليه النّفس والشّهوة.

وقيل: الأمر بالمعروف: الإشارة إلى ما يرضي الله تعالى من أقوال العبد وأفعاله.

والنّهي عن المنكر: تقبيح ما تنفّر عنه الشّريعة والعفّة وهو ما لا يجوز في شرع الله تعالى «١» .

[منزلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:]

قال النّوويّ- رحمه الله-: اعلم أنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر قد ضيّع أكثره من أزمان متطاولة، ولم يبق منه في هذه الأزمان إلّا رسوم قليلة جدّا، وهو باب عظيم به قوام الأمر وملاكه، وإذا كثر الخبث عمّ العقاب الصّالح والطّالح، وإذا لم يأخذوا على يد الظّالم أوشك أن يعمّهم الله تعالى بعقابه فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (النور/ ٦٣) . فينبغي لطالب الآخرة، والسّاعي في تحصيل رضا الله- عزّ وجلّ- أن يعتني بهذا الباب؛ فإنّ نفعه عظيم لا سيّما وقد ذهب معظمه، وعلى الآمر بالمعروف أن يخلص نيّته ولا يهابنّ من ينكر عليه لارتفاع مرتبته لأنّ الله تعالى قال: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ (الحج/ ٤٠) ، وقال تعالى: وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (آل عمران/ ١٠١) ، وقال تعالى: وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا (العنكبوت/ ٦٩) ، وقال تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ (العنكبوت/ ٢- ٣) واعلم أنّ الأجر على قدر النصب ولا يتركه أيضا لصداقته ومودّته ومداهنته وطلب الوجاهة عنده ودوام المنزلة لديه، فإنّ صداقته ومودّته توجب له حرمة وحقّا، ومن حقّه أن ينصحه ويهديه إلى مصالح آخرته، وينقذه من مضارّها، وصديق الإنسان، ومحبّه هو من سعى في عمارة آخرته وإن أدّى ذلك إلى نقص في دنياه، وعدوّه من يسعى في ذهاب أو نقص آخرته، وإن حصّل بسبب ذلك صورة نفع في دنياه. وإنّما كان إبليس عدوّا لنا لهذا، وكانت الأنبياء- صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- أولياء للمؤمنين لسعيهم في مصالح آخرتهم وهدايتهم إليها، ونسأل الله الكريم توفيقنا وتوفيق أحبابنا وسائر المسلمين لمرضاته. وينبغي للآمر بالمعروف والنّاهي عن المنكر أن يرفق ليكون أقرب إلى تحصيل المطلوب، فقد قال الإمام الشّافعيّ- رحمه الله-: «من وعظ أخاه سرّا فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه» «٢» ، ثمّ إنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر فرض كفاية إذا قام به بعض النّاس سقط الحرج عن الباقين، وإذا تركه الجميع أثم الكلّ ممّن تمكّن منه بلا عذر ولا خوف. ثمّ إنّه قد يتعيّن كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلّا هو أو لا يتمكّن من إزالته إلّا هو وكمن يرى زوجته أو ولده أو غلامه على منكر أو تقصير في المعروف. قال العلماء- رحمهم الله-: «لا يسقط عن المكلّف الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر لكونه لا


(١) التعريفات (٣٧) .
(٢) صحيح مسلم بشرح النووي (٢/ ٢٤) .