للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلّا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام ثمّ ائتمروا جميعا، فقلنا: حتّى متى نترك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يطرد في جبال مكّة ويخاف، فرحل إليه منّا سبعون رجلا حتّى قدموا عليه في الموسم فواعدناه شعب العقبة فاجتمعنا عليه من رجل ورجلين حتّى توافينا فقلنا: يا رسول الله نبايعك. قال: «تبايعوني على السّمع والطّاعة في النّشاط والكسل، والنّفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وأن تقولوا في الله لا تخافون في الله لومة لائم وعلى أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت عليكم ممّا تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنّة» ، قال:

فقمنا إليه فبايعناه، وأخذ بيده أسعد بن زرارة وهو من أصغرهم، فقال: رويدا يا أهل يثرب فإنّا لم نضرب أكباد الإبل إلّا ونحن نعلم أنّه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنّ إخراجه اليوم مفارقة العرب كافّة وقتل خياركم وأن تعضّكم السّيوف فإمّا أنتم قوم تصبرون على ذلك وأجركم على الله وإمّا أنتم قوم تخافون من أنفسكم جبينه فبيّنوا ذلك فهو عذر لكم عند الله. قالوا: أمط عنّا «١» يا أسعد فوالله لا ندع هذه البيعة ولا نسلبها أبدا. قال: فقمنا إليه فبايعناه فأخذ علينا وشرط يعطينا على ذلك الجنّة» ) * «٢» .

١٣-* (إنّ من أوضح أدلّة وجوب أخذ الحذر والحيطة ما عمله النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حين أراد الهجرة فقد ذكر ابن هشام في السّيرة فقال: «أتى جبريل عليه السّلام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: لا تبت هذه اللّيلة على فراشك الّذي كنت تبيت عليه قال: فلمّا كانت عتمة من اللّيل «٣» اجتمعوا على بابه يرصدونه متى ينام، فيثبون عليه، فلمّا رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكانهم، قال لعليّ بن أبي طالب: «نم على فراشي وتسجّ ببردي «٤» هذا الحضرميّ الأخضر، فنم فيه فإنّه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم» ، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ينام في برده ذلك إذا نام» ) * «٥» .

[من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الحيطة)]

١-* (قال أبو بكر- رضي الله عنه- في خطبته: «أوصيكم بتقوى الله والاعتصام بأمر الله الّذي شرع لكم وهداكم به» ... إلى أن قال: «وإيّاكم واتّباع الهوى فقد أفلح من حفظ من الهوى والطّمع والغضب، وإيّاكم والفخر وما فخر من خلق من تراب وإلى التّراب يعود ثمّ يأكله الدّود، ثمّ هو اليوم حيّ وغدا ميّت، فاعملوا يوما بيوم وساعة بساعة، وتوقّوا دعاء المظلوم، وعدّوا أنفسكم في الموتى،


(١) امط عنا: أي ابتعد عنا.
(٢) أحمد (٣/ ٣٢٢- ٣٢٣) واللفظ له، وقال ابن كثير في البداية والنهاية (٣/ ١٥٧) : هذا إسناد جيد على شرط مسلم.
(٣) عتمة الليل: شدة ظلامه.
(٤) تسجى ببردي: التف به.
(٥) سيرة ابن هشام (٢/ ١٢٤) ، تفسير ابن كثير (٢/ ٣١٥) .