للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر ابن القيّم عن صاحب المنازل أنّ بين الطّمأنينة والسّكينة فرقين:

أحدهما: أنّ السّكينة صولة تورث خمود الهيبة أحيانا، والطّمأنينة: سكون أمن في استراحة أنس.

والثّاني: أنّ السّكينة تكون نعتا، وتكون حينا بعد حين، والطّمأنينة لا تفارق صاحبها، ومن ثمّ تكون الطّمأنينة موجب السّكينة وأثرا من آثارها وكأنّها نهاية السّكينة «١» .

[درجات الطمأنينة:]

هي على درجات منها:

الدّرجة الأولى: طمأنينة القلب بذكر الله.

وهي طمأنينة الخائف إلى الرّجاء. والضّجر إلى الحكم.

والمبتلى إلى المثوبة.

لأنّ الخائف إذا طال عليه الخوف واشتدّ به، وأراد الله- عزّ وجلّ- أن يريحه، ويحمل عنه أنزل عليه السّكينة فاستراح قلبه إلى الرّجاء واطمأنّ به، وسكن لهيب خوفه.

وأمّا طمأنينة الضّجر إلى الحكم: فالمراد بها:

أنّ من أدركه الضّجر من قوّة التّكاليف، وأعباء الأمر وأثقاله. ولا سيّما من أقيم مقام التّبليغ عن الله.

ومجاهدة أعداء الله، وقطّاع الطّريق إليه. فإنّ ما يحمله ويتحمّله فوق ما يحمله النّاس ويتحمّلونه. فلابدّ أن يدركه الضّجر ويضعف صبره. فإذا أراد الله أن يريحه ويحمل عنه: أنزل عليه سكينة. فاطمأنّ إلى حكمه الدّينيّ. وحكمه القدريّ. ولا طمأنينة له بدون مشاهدة الحكمين.

وأمّا طمأنينة المبتلى إلى المثوبة. فلا ريب أنّ المبتلى إذا قويت مشاهدته للمثوبة سكن قلبه، واطمأنّ بمشاهدة العوض. وإنّما يشتدّ به البلاء إذا غاب عنه ملاحظة الثّواب.

الدّرجة الثّانية: طمأنينة الرّوح في الشّوق إلى ما وعدت به بحيث لا تلتفت إلى ما وراءها، وهذا شأن كلّ مشتاق إلى محبوب وعد بحصوله، إذ تحدث الطّمأنينة بسكون نفسه إلى وعد اللّقاء والعلم بحصول الموعود به «٢» .

[للاستزادة: انظر صفات: السكينة- الإيمان- التقوى- الثبات- حسن السمت- الرضا- القناعة- اليقين- الإخبات- الخشوع- الخشية- الذكر- القنوت.

وفي ضد ذلك: القلق- السخط- الشك- العجلة- القنوط- الجزع- الكفر- اليأس] .


(١) انظر شرح هذين الفرقين في مدارج السالكين لابن القيم (٢/ ٥٣٦) .
(٢) المرجع السابق (٢/ ٥٣٨- ٥٤٠) بتصرف.