للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الحافظ ابن حجر- رحمه الله-: إنّ الخوف من المقامات العليّة، وهو من لوازم الإيمان.

قال تعالى: وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (آل عمران/ ١٧٥) ، وقال تعالى: فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ (المائدة/ ٤٤) ، وقال تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ (فاطر/ ٢٨) ، وقال صلّى الله عليه وسلّم: «أنا أعلمكم بالله وأشدّكم له خشية» . وكلّما كان العبد أقرب إلى ربّه كان أشدّ له خشية ممّن دونه، وقد وصف الله تعالى الملائكة بقوله: يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ (النحل/ ٥٠) ، والأنبياء بقوله: الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ (الأحزاب/ ٣٩) . وإنّما كان خوف المقرّبين أشدّ؛ لأنّهم يطالبون بما لا يطالب به غيرهم فيراعون تلك المنزلة، ولأنّ الواجب لله منه الشّكر على المنزلة فيضاعف بالنّسبة لعلوّ تلك المنزلة، فالعبد إن كان مستقيما فخوفه من سوء العاقبة لقوله- تعالى-: يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ (الأنفال/ ٢٤) أو نقصان الدّرجة بالنّسبة، وإن كان مائلا فخوفه من سوء فعله. وينفعه ذلك مع النّدم والإقلاع؛ فإنّ الخوف ينشأ من معرفة قبح الجناية والتّصديق بالوعيد عليها، وأن يحرم التّوبة، أو لا يكون ممّن شاء الله أن يغفر له، فهو مشفق من ذنبه طالب من ربّه أن يدخله فيمن يغفر له «١» .

[من معاني كلمة الخوف في القرآن الكريم:]

قال الفيروزاباديّ: وقد ورد الخوف في القرآن الكريم على وجوه منها:

الأوّل: بمعنى القتل والهزيمة: وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ (النساء/ ٨٣) ، وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ (البقرة/ ١٥٥) ، أي القتل.

الثّاني: بمعنى الحرب والقتال: فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ (الأحزاب/ ١٩) ، أي إذا انجلى الحرب، فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ (الأحزاب/ ١٩) ، أي الحرب.

الثّالث: بمعنى العلم والدّراية: فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً (البقرة/ ١٨٢) ، أي علم، إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ (البقرة/ ٢٢٩) ، أي يعلما، وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى (النساء/ ٣) ، أي علمتم.

الرّابع: بمعنى النّقص: أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ (النحل/ ٤٧) ، أي تنقّص.

الخامس: بمعنى الرّعب والخشية من العذاب والعقوبة: يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً (السجدة/ ١٦) «٢» .

[للاستزادة: انظر صفات: الإنابة- الخشوع- الخشية- الرجاء- الرهبة- الإخبات- القنوت- الورع- البكاء.

وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأمن من المكر الفجور- العصيان- الغفلة- الكبر والعجب- الإصرار على الذنب] .


(١) البخاري- الفتح ١١/ ٣١٣) .
(٢) بصائر ذوي التمييز لليفروزابادي (٢/ ٥٧٨، ٥٧٩) .