للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المزجورات كلّها، بقوّته يضعف ارتكابه إيّاها، وبضعف الحياء تقوى مباشرته إيّاها. وقد أحسن من قال:

وربّ قبيحة ما حال بيني ... وبين ركوبها إلّا الحياء

فكان هو الدّواء لها ولكن ... إذا ذهب الحياء فلا دواء

ثمّ ذكر- رحمه الله تعالى- سوء عاقبة البذيّ فقال: من ذهب حياؤه ذهب سروره، ومن ذهب سروره هان على النّاس ومقت، ومن مقت أوذي، ومن أوذي حزن، ومن حزن فقد عقله، ومن أصيب في عقله كان أكثر قوله عليه لا له، ولا دواء لمن لا حياء له، ولا حياء لمن لا وفاء له، ولا وفاء لمن لا إخاء له، ومن قلّ حياؤه صنع ما شاء وقال ما أحبّ «١» .

[دوافع البذاءة والفحش:]

قال الغزاليّ- رحمه الله تعالى-: إنّ السّبّ والفحش وبذاءة اللّسان مذمومة ومنهيّ عنها ومصدرها الخبث واللّؤم، والباعث عليها إمّا قصد الإيذاء وإمّا الاعتياد الحاصل من مخالطة الفسّاق وأهل الخبث واللّؤم لأنّ من عادتهم السّبّ. ومواضع ذلك متعدّدة ويمكن حصرها في كلّ حال تخفى ويستحيا منها، فإنّ التّصريح في مثل هذه الحال فحش وينبغي الكناية عنها. وأكثر ما يكون في ألفاظ الوقاع وما يتعلّق به، فإنّ لأهل الفساد عبارات صريحة فاحشة يستعملونها. وأمّا أهل الصّلاح فإنّهم يتحاشون عنها بل يكنون عنها ويدلّون عليها بالرّموز فيذكرون ما يقاربها ويتعلّق بها، ألم تر أنّ الله- عزّ وجلّ- كنى باللّمس عن الجماع، ولذلك فإنّه تستعمل ألفاظ مثل المسّ واللّمس والدّخول والصّحبة. كما يكون الفحش والبذاء أيضا في حال قضاء الحاجة، فإنّ استعمال البول والغائط أولى من لفظ التّغوّط والخراء. ويدخل الفحش أيضا والبذاء في ذكر النّساء والكلام عنهنّ، فلا يقال: قالت زوجتك كذا، بل يقال: قيل في الحجرة أو من وراء السّتر، أو قالت أمّ الأولاد فالتّلطّف في هذه الألفاظ محمود والتّصريح فيها يفضي إلى الفحش. وكذلك يدخل أيضا في ذكر العيوب الّتي يستحيا منها فلا ينبغي أن يعبّر عنها بصريح اللّفظ، فلا يقال فلان الأبرص والأقرع بل يقال مثلا فلان الّذي به العارض الّذي يشكوه، وهذا كلّه يختلف باختلاف البلاد. وأوائل هذه الأشياء مكروه، وآخرها محظور، وبينهما درجات يتردّد فيها «٢» .

[للاستزادة: انظر صفات: الاستهزاء- الأذى- الإساءة- السخرية- الفحش- البهتان- سوء الخلق- السفاهة.

وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأدب- الصمت وحفظ اللسان- الكلم الطيب- اتباع الهوى- حسن المعاملة- حسن العشرة- حسن الخلق] .


(١) روضة العقلاء بتصرف (٥٦- ٥٩) .
(٢) الإحياء (٣/ ١٢١- ١٢٢) بتصرف وفيه تقديم وتأخير.