للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يذمّه الله ورسوله، وتصير موالاتهم ومعاداتهم على أهواء أنفسهم لا على دين الله ورسوله «١» .

[اتباع الهوى ضلال وعلامة من علامات أهل البدع:]

قال الشّاطبيّ- رحمه الله تعالى-: وهو يذكر علامات أهل البدع، منها: الفرقة الّتي نبّه عليها قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ (الأنعام/ ١٥٩) وقوله وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا (آل عمران/ ١٠٥) فعزا رحمه الله- إلى بعض المفسّرين: أنّهم صاروا فرقا لاتّباع أهوائهم، وبمفارقة الدّين تشتّتت أهواؤهم فافترقوا ثمّ برّأ الله نبيّه منهم بقوله: لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ. ثمّ ذكر أنّ الصّحابة اختلفوا ولم يتفرّقوا إلى أن قال- رحمه الله تعالى-: فكلّ مسألة حدثت في الإسلام فاختلف النّاس فيها ولم يورث ذلك الاختلاف بينهم عداوة ولا بغضاء ولا فرقة علمنا أنّها من مسائل الإسلام. وكلّ مسألة طرأت فأوجبت العداوة والتّنافر والتّنابز والقطيعة علمنا أنّها ليست من أمر الدّين في شيء قال: فيجب على كلّ ذي دين وعقل أن يجتنبها، فإذا اختلفوا وتقاطعوا كان ذلك لحدث أحدثوه من اتّباع الهوى. وذكر منها أيضا: اتّباع الهوى: وهي الّتي نبّه عليها قوله تعالى فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ (آل عمران/ ٧) وهو الميل عن الحقّ اتّباعا للهوى، وقوله تعالى وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ (القصص/ ٥٠) وقوله أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ (الجاثية/ ٢٣) «٢» .

[علاج الهوى:]

يعالج بالعزم القويّ في هجران ما يؤذي، والتّدرّج فيما لا يؤمن أذاه، وهذا يفتقر إلى صبر ومجاهدة، ويهوّن ذلك على المبتلى أمور سبعة هي:

١- التّفكّر في أنّ الإنسان لم يخلق للهوى، وإنّما هيّىء للنّظر في العواقب والعمل للآجل، فلو كان نيل المشتهى فضيلة لما بخس الإنسان- وهو سرف في حظّه- منه وزاد عن حظّ البهائم، وفي توفير حظّ الآدميّ من العقل وبخس حظّه من الهوى دليل على فضل هذا وذاك.

٢- التّفكّر في عواقب الهوى، فكم فوّت من فضيلة، وكم قد أوقع في رذيلة، وكم من زلّة أوجبت انكسار جاه وقبح ذكر مع إثم. غير أنّ صاحب الهوى لا يرى إلّا الهوى.

٣- تصوّر العاقل لانقضاء غرضه من هواه، ثمّ يتصوّر مدى الأذى الّذي يحصل له عقب اللّذّة، فإنّه حينئذ سيرى أنّ ما حصل له من الأذى يربو على الهوى أضعافا مضاعفة.

٤- تصوّر عاقبة ذلك في حقّ غيره؛ فعندئذ


(١) منهاج السنة النبوية (٥/ ٢٥٥- ٢٥٦) . بتصرف ط. محمد رشاد سالم.
(٢) بتصرف من الموافقات (٤/ ١٠٤- ١٠٧) ط. دار الفكر.