للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال المناويّ: البذلة: ما يمتهن من الثّياب في الخدمة، يقال: بذل الثّوب وابتذله: لبسه في أوقات الخدمة والامتهان «١» .

[البذاذة والتبذل بين المدح والذم:]

إنّ الغنى الحقيقيّ للإنسان ليس في مظهره فحسب، وإنّما في مخبره وخبيئة نفسه، وقد يعتري المسلم حالات توجب عليه ارتداء الثّياب الحسنة، والظّهور بمظهر لائق تحدّثا بنعمة الله عليه شريطة ألّا يؤدّي ذلك إلى الغرور أو الافتتان، وقد أمرنا الله- عزّ وجلّ- بأن نأخذ زينتنا عند كلّ مسجد، وقال سبحانه مشدّدا النّكير على من يحرّم زينته قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ (الأعراف/ ٣٢) ولا شكّ أنّ رثاثة الهيئة وقبح المنظر ممّا يتنافى مع هذه الزّينة، ومن ثمّ كانت البذاذة من المظاهر الرّديئة الّتي يأباها الإسلام، واستعاذ منها الرّسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم في الأحوال العاديّة، وقد استنكر سلمان الفارسيّ تبذّل أمّ الدّرداء وأقرّه المصطفى صلّى الله عليه وسلّم على ذلك، قال ابن حجر رحمه الله تعالى-: وفي هذا مشروعيّة تزيّن المرأة لزوجها، وثبوت حقّ المرأة على الزّوج في حسن العشرة «٢» ، وقد تجدّ أحوال أخرى تقتضي إظهار التّواضع والخشوع وإظهار المذلّة، كما حدث من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في صلاة الاستسقاء حيث خرج «متبذّلا متخضّعا»

» وقد فعل ذلك صلّى الله عليه وسلّم على جهة التّواضع لله عزّ وجلّ- وقد يكون التّبذّل ناجما عن عدم القدرة على ارتداء غير ثياب المهنة أو الثّياب القديمة، فإذا قبل ذلك المسلم صابرا كان علامة على إيمانه ورضا بما قسم الله له، وهذا يفسّر الحديث الآخر: «البذاذة من الإيمان» أي أنّ التّواضع في اللّباس لغير القادر وترك التّبجّح به للقادر من علامات الإيمان الصّحيح، وقد دخل عبد الله بن نهيك على سعد وعنده متاع رثّ ومثال رثّ، فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ليس منّا من لم يتغنّ بالقرآن» قال أبو عبيد: كان سفيان بن عيينة يقول معناه: من لم يستغن به، وذكره رثاثة المتاع والمثال ينبئك أنّه إنّما أراد الاستغناء بالمال القليل «٤» ، وإن دلّ هذا على شيء فعلى أنّ الغنى الحقيقيّ ليس في المتاع الحسن أو الأثاث الفاخر أو الثّياب الرّفّافة، وإنّما فيما يحمله المسلم من القرآن «٥» .

[للاستزادة: انظر صفات: الإهمال- التهاون- التفريط والإفراط- التخاذل- النجاسة.

وفي ضد ذلك: انظر صفات: حسن السمت- الطهارة- المروءة- النظام- النزاهة] .


(١) التوقيف على مهمات التعاريف (٧٣) .
(٢) فتح الباري (٤/ ٢٤٩) .
(٣) انظر النهاية (١/ ١١١) .
(٤) غريب الحديث لأبي عبيد (١/ ٣٨٥) ت: حسين محمد شرف.
(٥) استخلصت هذه الفقرة مما أوردته كتب الأحاديث.