للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قام أبو طلحة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إنّ الله تبارك وتعالى يقول لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وإنّ أحبّ أموالي إليّ بيرحاء، وإنّها صدقة لله أرجو برّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «بخ ذلك مال رابح. ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإنّي أرى أن تجعلها في الأقربين» . فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله. فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمّه) * «١» .

المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (الإيثار)

١٣-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أنّه كان يقول: الله الّذي لا إله إلّا هو إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع. وإن كنت «٢» لأشدّ الحجر على بطني من الجوع. ولقد قعدت يوما على طريقهم الّذي يخرجون منه فمرّ أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلّا ليشبعني، فمرّ ولم يفعل، ثمّ مرّ أبو القاسم صلّى الله عليه وسلّم فتبسّم حين رآني وعرف ما في نفسي وما في وجهي. ثمّ قال: «يا أبا هرّ» قلت: لبّيك رسول الله قال: «الحق» ومضى. فتبعته فدخل فاستأذن فأذن لي، فدخل فوجد لبنا في قدح فقال: «من أين هذا اللّبن؟» قالوا: أهداه لك فلان- أو فلانة- قال:

«أبا هرّ» قلت: لبّيك يا رسول الله. قال: «الحق إلى أهل الصّفّة فادعهم لي» . قال- وأهل الصّفّة أضياف الإسلام لا يأوون «٣» على أهل ولا مال ولا على أحد.

إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا، وإذا أتته هديّة أرسل إليهم وأصاب منها، وأشركهم فيها- فساءني ذلك، فقلت: وما هذا اللّبن في أهل الصّفّة؟ كنت أحقّ أن أصيب من هذا اللّبن شربة أتقوّى بها، فإذا جاءوا أمرني فكنت أنا أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللّبن ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله صلّى الله عليه وسلّم بدّ فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا، فأذن لهم وأخذوا مجالسهم من البيت. قال:

يا أبا هرّ، قلت: لبّيك يا رسول الله. قال: «خذ فأعطهم» . فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرّجل فيشرب حتّى يروى، ثمّ يردّ عليّ القدح حتّى انتهيت إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقد روي القوم كلّهم. فأخذ القدح فوضعه على يده فنظر إليّ فتبسّم فقال: «أبا هرّ» ، قلت:

لبّيك يا رسول الله. قال: «بقيت أنا وأنت» ، قلت:

صدقت يا رسول الله. قال: «اقعد فاشرب» ، فقعدت فشربت. فقال: «اشرب» ، فشربت فما زال يقول:

«اشرب» . حتّى قلت: لا والّذي بعثك بالحقّ ما أجد له مسلكا. قال: «فأرني» فأعطيته القدح فحمد الله


(١) البخاري- الفتح ٣ (١٤٦١) واللفظ له، ومسلم (٩٩٨) .
(٢) إن في الموضعين مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن محذوف والتقدير: إنه كنت، وفي هذه الصياغة توكيد فوق التوكيد بالقسم قبلها ليتلقى الخبر بالثقة فيه لأول وهلة.
(٣) لا يأوون: قال ابن حجر: «والأكثر إلى بدل على» والمعنى ليس لهم أهل ولا مال يأوون إليه.