منهم أظهر الإسلام في العهد النّبويّ. والله أعلم «١» .
[أصل الزندقة:]
قال ابن كمال باشا: وأمّا الّذي ذهب إليه صاحب القاموس من أنّ كلمة زنديق معرّب (زنده) فلا وجه له كما لا يخفى، و (زنده) اسم كتاب أظهره مزدك. ودين الزّنادقة خارج عن الأديان السّماويّة كلّها وما في كتابهم من إباحة الأموال والنّساء والحكم باشتراك النّاس فيها كاشتراكهم في الماء والكلأ مخالف لما في الكتب الإلهيّة كلّها. سمّى العرب زنديقا ونسب إلى كتابهم كلّ من خرج عن الأديان السّماويّة كلّها بالإنكار بواحد أو أكثر من أصول الدّين الّتي اتّفقت عليها الأديان السّماويّة كلّها سواء كان ما أنكره وجود الباري- عزّ اسمه- فيوافق الدّهريّ أو لا.
وكلمة الزّنديق في لسان العرب تطلق على من ينفي الباري- عزّ اسمه- وعلى من يثبت الشّريك له وعلى من ينكر حكمته غير مخصوص بالأوّل كما زعمه ثعلب ولا بالثّاني. كما هو الظّاهر من كلام الجوهريّ والفرق بينه وبين المرتدّ أنّه قد لا يكون زنديقا كما إذا ارتدّ عن دين الإسلام وتديّن بواحد من الأديان السّماويّة الباطلة. واعتبروا في الزّنديق أن يكون مبطنا للكفر على ما نقلناه عن العلّامة الشّيرازيّ. وذلك القيد غير معتبر في مفهوم المرتدّ فاتّسعت دائرة الفرق، ومع هذا فالنّسبة بينهما على حالهما، وفي الزّنديق قيد آخر اعتبره أيضا أهل الشّرع وبه أيضا يفارق المرتدّ وهو أن يكون معترفا بنبوّة نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم على ما صرّح به العلّامة التّفتازانيّ في شرحه للمقاصد حيث قال في تفصيل فرق الكفّار: قد ظهر أنّ الكافر اسم لمن لا إيمان له، فإن أظهر الإيمان خصّ باسم المنافق وإن كفر بعد الإسلام خصّ باسم المرتدّ لرجوعه عن الإسلام، وإن قال بإلهين وأكثر خصّ باسم المشرك لإثباته الشّريك في الألوهيّة، وإن كان متديّنا ببعض الأديان والكتب المنسوخة خصّ باسم الكتابيّ كاليهوديّ والنّصرانيّ، وإن كان يقول بقدم الدّهر وإسناد الحوادث إليه خصّ باسم الدّهريّ، وإن كان لا يثبت الباري تعالى خصّ باسم المعطّل، وإن كان مع اعترافه بنبوّة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وإظهاره عقائد الإسلام يبطن عقائد هي كفر بالاتّفاق خصّ بالزّنديق. إلّا أنّ أهل الشّرع إنّما اعتبروا القيد المذكور في الزّنديق الإسلاميّ لا في مطلق الزّنديق لأنّه قد يكون من المشركين، وقد يكون من أهل الذّمّة.
[الفرق بين الزنديق وغيره من أصناف الكفار:]
وأمّا الفرق بين الزّنديق والمنافق مع اشتراكهما في إبطان الكفر: هو أنّ الزّنديق معترف بنبوّة نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم، دون المنافق وهذا الفرق بين الزّنديق من أهل الإسلام والمنافق الاصطلاحيّ. وأمّا الفرق بين الزّنديق والدّهريّ فيما ذكر فإنّ الدّهريّ ينكر استناد الحوادث إلى الصّانع المختار بخلاف الزّنديق. وأمّا