مصدر قولهم عفا يعفو عفوا وهو مأخوذ من مادّة (ع ف و) الّتي تدلّ على معنيين أصليّين الأوّل:
ترك الشّيء، والاخر طلبه «١» ، ومن المعنى الأوّل عفو الله تعالى عن خلقه، وذلك تركه إيّاهم فلا يعاقبهم، فضلا منه تعالى، قال الخليل: العفو تركك إنسانا استوجب عقوبة فعفوت عنه، والله سبحانه هو العفوّ الغفور، قال ابن فارس: وقد يكون أن يعفو عن الإنسان بمعنى التّرك، ولا يكون ذلك عن استحقاق، ألا ترى إلى قوله صلّى الله عليه وسلّم «عفوت عنكم عن صدقة الخيل» فليس العفو هاهنا عن استحقاق، ويكون معناه تركت أن أوجب عليكم الصّدقة (أي الزّكاة) في الخيل.
وذهب الرّاغب إلى أنّ العفو له معنى واحد هو: القصد لتناول الشّيء، يقال من ذلك: عفاه واعتفاه أي قصده متناولا ما عنده وعفت الرّيح الدّار أي قصدتها متناولة آثارها، ومن هذا أيضا العفو بمعنى التّجافي عن الذّنب، وقولهم عفوت عنه:
قصدت إزالة ذنبه صارفا عنه، فالمفعول في الحقيقة متروك (وهو الذّنب) ، وقول الله تعالى خُذِ الْعَفْوَ الايات/ الأحاديث/ الاثار ٢٩/ ٣٤/ ٢٨
(الأعراف/ ١٩٩) أي ما يسهل قصده وتناوله، وقيل معناه: تعاطي العفو عن النّاس، وقولهم في الدّعاء:
أسألك العفو والعافية أي ترك العقوبة والسّلامة.
وقال الجوهريّ: يقال: عفوت عن ذنبه إذا تركته ولم تعاقبه، والعفوّ على فعول: الكثير العفو، ويقال: عفوته أي أتيته أطلب معروفه، واعتفيته مثله، وعفو المال: ما يفضل عن الصّدقة، ويقال: أعفني من الخروج معك: أي دعني منه (وهذا راجع إلى معنى التّرك) ، واستعفاه من الخروج أي سأله الإعفاء منه، والعافية دفاع الله عن العبد، وهي اسم وضع موضع المصدر: يقال: عافاه الله عافية.
وقال ابن الأثير: أصل العفو: المحو والطّمس، ومنه حديث أمّ سلمة، «قلت لعثمان: لا تعف سبيلا كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لحبها» أي لا تطمسها، والعفو في حديث أبي بكر- رضي الله عنه- «سلوا الله العفو والعافية والمعافاة» معناه: محو الذّنوب، وقال ابن منظور: وأمّا العافية فهي أن يعافيه الله تعالى من سقم أو بليّة، وهي: الصّحّة ضدّ المرض، يقال: عافاه الله وأعفاه أي وهب له العافية من العلل والبلايا، وأمّا المعافاة فأن يعافيك الله من النّاس ويعافيهم منك، أي
(١) ومن هذا المعنى الثاني: العفاة وهم طلاب المعروف، ومن ذلك أيضا: أعطيته المال عفوا أي من غير طلب. انظر هذه المعاني وما أشبهها في المقاييس (٤/ ٦١) وما بعدها.