للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أيضا بمكة المكرمة، بين بني هاشم وبني أمية وبني زهرة وبني مخزوم «١» . وهو تحالف على التناصر والأخذ للمظلوم من الظالم، ورد الفضول على أهلها، وإنما سمي بحلف المطيبين لأنهم أحضروا جفنة فيها طيب فوضعوا أيديهم فيها وتحالفوا، فلما قاموا مسحوا أيديهم بأركان البيت وقد كانت القبائل التي عقدته هي نفس القبائل التي عقدت حلف المطيبين القديم بعد وفاة قصي بن كلاب وتنازع بني عبد مناف وبني عبد الدار على الرفادة والسقاية بمكة «٢» . ولا شك في أن العدل قيمة مطلقة وليست نسبية. وأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم يظهر اعتزازه بالمشاركة في تعزيز مبدأ العدل قبل بعثته بعقدين من الزمان. فالقيم الإيجابية تستحق الإشادة حتى لو صدرت من أهل الجاهلية.

زواجه صلّى الله عليه وسلّم بخديجة بنت خويلد- رضي الله عنها-:

ولما سرت أخلاق محمد صلّى الله عليه وسلّم في أرجاء مكة، وعرف القاصي والداني أمانته وصدقه وحسن خلقه رغبت خديجة بنت خويلد في أن يدير لها تجارتها. وكانت خديجة امرأة ذات شرف ومال من خيرة نساء قريش نسبا وأعظمهن شرفا وحسبا، فاختارت محمدا صلّى الله عليه وسلّم ليتاجر لها في أموالها. وقد سافر بتجارتها مرتين إلى بلاد الشام وإلى سوق حباشة بتهامة جنوب مكة، فربحت تجارتها ربحا وفيرا بفضل إدارته صلّى الله عليه وسلّم وكان غلامها ميسرة قد صحبه في تلك الرحلات فلما عاد حدثها بما شاهده من أخلاقه وصدقه وأمانته، الأمر الذي رغبها في الزواج منه، فأرسلت إليه من أفصح له عن رغبتها، فأبدى رغبته في الزواج منها وعرض الأمر على أعمامه فخرج معه عمه حمزة بن عبد المطلب ودخلا على خويلد بن أسد فخطبها إليه وتزوجها «٣» .

[قريش وبناء البيت العتيق:]

ذكر بعض المؤرخين أن البيت العتيق انهدم مرتين بعد بناء إبراهيم- عليه السلام- بفعل السيول فبنته العمالقة في المرة الأولى، وجرهم في المرة الثانية «٤» . أما الماوردي فيذكر أن «أول من جدد بناء الكعبة من قريش بعد إبراهيم- عليه السلام- قصي بن كلاب وهو جد من أجداد الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وسقفها بخشب الروم وجريد النخل» «٥» . على أن المهم هنا هو بناء قريش للكعبة وهو البناء الثابت بنص الصحيحين حيث شارك فيه النبي صلّى الله عليه وسلّم قبيل بعثته.

ويعود سبب بناء قريش للكعبة إلى جملة عوامل منها: أنها كانت نحو القامة في الارتفاع أو فوقها بقليل، ولم يكن لها سقف، وكانت ذات ركنين كهيئة الحلقة. وكانت الكسوة تدلّى على جدر الكعبة من الخارج وتشد من أعلى الجدر في بطنها، وكانت البئر التي جعلها إبراهيم- عليه السلام- خزانة داخل الكعبة ليوضع فيها ما يهدى إليها من أموال وحلي، وقد امتدت أيدي اللصوص إلى خزانة الكعبة عدة مرات عبر القرون فسرقوا ما بها من مال وحلي، إضافة إلى أنّ امرأة من قريش ذهبت تجمّر الكعبة فطارت من مجمرتها شرارة فاشتعلت النار في كسوة الكعبة والتهمتها، وكانت


(١) البيهقي- السنن الكبرى ٦/ ٣٦٦، ابن هشام- السيرة ١/ ١٣٣.
(٢) البيهقي- السنن ٦/ ٣٦٧، ابن قتيبة- المعارف/ ٦٠٤، وانظر هامش (١٦٥٥) في المسند بتحقيق الشيخ شاكر ح ٣ ص ١٢١.
(٣) ابن هشام- السيرة ١/ ١١٤- ١١٥، الحاكم- المستدرك ٣/ ١٨٢، ابن سعد- الطبقات الكبرى ١/ ١٥٥- ١٥٧.
(٤) البخاري- الصحيح (فتح الباري ٧/ ١٨٠، الأزرقي: أخبار مكة ١/ ٦٢، محمد صالح الشيبي- إعلام الأنام بتاريخ بيت الله الحرام، ص/ ١٢٥.
(٥) الماوردي- الأحكام السلطانية ص/ ١٨٠، وانظر أيضا حسين باسلامة: تاريخ الكعبة المعظمة ص/ ٤٧- ٤٩.