للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأحاديث الواردة في (اللين)]

١-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:

استأذن «١» رجل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «ائذنوا له، بئس أخو العشيرة أو ابن العشيرة» ، فلمّا دخل ألان له الكلام. قلت: يا رسول الله، قلت الّذي قلت، ثمّ ألنت له الكلام. قال: «أي عائشة، إنّ شرّ النّاس من تركه النّاس- أو ودعه- اتّقاء فحشه» ) * «٢» .

٢-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أتاكم أهل اليمن، هم ألين قلوبا وأرقّ أفئدة، الإيمان يمان والحكمة يمانية، رأس الكفر قبل المشرق» ) * «٣» .

٣-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنه- أنّ رجلا أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، إنّي أرى اللّيلة في المنام ظلّة «٤» تنطف «٥» السّمن والعسل، فأرى النّاس يتكفّفون «٦» منها بأيديهم. فالمستكثر والمستقلّ، وأرى سببا «٧» واصلا «٨» من السّماء إلى الأرض، فأراك أخذت فانقطع به. ثمّ أخذ به رجل من بعدك فعلا، ثمّ أخذ به رجل آخر فعلا، ثمّ أخذ به رجل آخر فانقطع به ثمّ وصل له فعلا، قال أبو بكر: يا رسول الله! بأبي أنت، والله! لتدعنّي فلأعبرنّها. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اعبرها» قال أبو بكر: أمّا الظلّة فظلّة الإسلام، وأمّا الّذي ينطف من السّمن والعسل فالقرآن، حلاوته ولينه، وأمّا ما يتكفّف النّاس من ذلك فالمستكثر من القرآن والمستقلّ، وأمّا السّبب الواصل من السّماء إلى الأرض فالحقّ الّذى أنت عليه، تأخذ به فيعليك الله به ثمّ يأخذ به رجل من بعدك فيعلو به، ثمّ يأخذ به رجل آخر فيعلو به، ثمّ يأخذ به رجل آخر فينقطع به ثمّ يوصل له فيعلو به، فأخبرني، يا رسول الله! بأبي أنت! أصبت أم أخطأت؟ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أصبت بعضا وأخطأت بعضا» «٩» ، قال: فو الله! يا رسول الله! لتحدّثني ما الّذي أخطأت؟ قال: «لا


(١) «أنّ رجلا ... إلخ» قال القاضي: هذا الرجل هو عيينة بن حصن، ولم يكن أسلم حينئذ، وإن كان قد أظهر الإسلام، فأراد النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يبيّن حاله ليعرفه الناس ولا يغتر به من لم يعرف حاله. قال: وكان في حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وبعده، ما دلّ على ضعف إيمانه، وارتد مع المرتدين. وجيىء به أسيرا إلى أبي بكر- رضي الله عنه- ووصف النبي صلّى الله عليه وسلّم إياه بأنه بئس أخو العشيرة، من أعلام النبوة، لأنه ظهر كما وصف، وإنما ألان له القول تألفا له ولأمثاله على الإسلام، والمراد بالعشيرة: قبيلته، أي بئس هذا الرجل منها.
(٢) البخاري- الفتح (٦٠٥٤) .
(٣) البخاري- الفتح (٤٣٨٨) ، ومسلم (٥٢) واللفظ له.
(٤) ظلة: أي سحابة.
(٥) تنطف: أي تقطر قليلا قليلا.
(٦) يتكففون: يأخذون بأكفهم.
(٧) سببا: السبب الحبل.
(٨) واصلا: الواصل بمعنى الموصول.
(٩) «أصبت بعضا وأخطأت بعضا» : اختلف العلماء في معناه. فقال ابن قتيبة وآخرون: معناه: أصبت في بيان تفسيرها وصادفت حقيقة تأويلها وأخطأت في مبادرتك بتفسيرها من غير أن آمرك بها. وقال آخرون: هذا الذي قاله ابن قتيبة وموافقوه فاسد لأنه صلّى الله عليه وسلّم قد أذن له في ذلك وقال: «اعبرها» . وإنما أخطأ في تركه تفسير بعضها. فإنّ الرائي قال: رأيت ظله تنطف السمن والعسل. ففسره الصديق- رضي الله عنه- بالقرآن حلاوته ولينه. وهذا إنما هو تفسير العسل. وترك تفسير السمن، وتفسيره السنة. فكان حقه أن يقول: القرآن والسنة. وإلى هذا أشار الطحاوي. وقال آخرون: الخطأ وقع في خلع عثمان لأنه ذكر في المنام أنه أخذ