للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وبقضائه وقدره، وقوي يقينه بالثّواب والعقاب وتمّ توكّله على الله وثقته بكفاية الله، وعلم أنّ الخلق لا يضرّون ولا ينفعون وأنّ نواصيهم بيد الله، وعلم الآثار الجليلة النّاشئة عن الشّجاعة، قوي قلبه واطمأنّ فؤاده، وأقدم على كلّ قول وفعل ينفع الإقدام عليه.

ولا بدّ لمن كانت هذه حاله أن يمدّها الله بمدد من عنده لا يدركه بحوله ولا قوّته. وكمال زينة هذا الخلق النّبيل: أن يكون موافقا للحكمة؛ فإنّه إذا زاد عن حدّ الحكمة خشي أن يكون تهوّرا وسفها وإلقاء باليد إلى التّهلكة، وذلك مذموم، كما يذمّ الجبن والخور.

فالشّجاعة المحمودة تتوسّط خلقين مذمومين، وهما الجبن والتّهوّر، وتكون محمودة، إذا كان المقصود بها نصر الحقّ وردّ الباطل وتحصيل المنافع العامّة والمصالح المشتركة «١» .

[أنواع الشجاعة]

قال الرّاغب: أنواع الشّجاعة خمسة:

١- سعيّة كمن أقدم لثوران غضب وتطلّب غلبة.

٢- وبهيميّة كمن حارب توصّلا إلى مأكل أو منكح.

٣- وتجريبيّة كمن حارب مرارا فظفر. فجعل ذلك أصلا يبني عليه.

٤- وجهاديّة كمن يحارب ذبّا عن الدين.

٥- وحكميّة وهي ما تكون في كلّ ذلك عن فكر وتمييز وهيئة محمودة بقدر ما يجب وعلى ما يجب، ألا ترى أنّه يحمد من أقدم على كافر غضبا لدين الله أو طمعا في ثوابه أو خوفا من عقابه أو اعتمادا على ما رأى من إنجاز وعد الله في نصرة أوليائه، فإنّ كلّ ذلك محمود وإن كان محض الشّجاعة هو أن لا يقصد بالإقدام حوز ثواب أو دفع عقاب.

والفرق بين المقدم في الحرب لمحض الحكمة وإخلاص الدّين، وبين المقدم لغير ذلك هو أنّ المقدم لغير الحكمة والإخلاص يخاف الموت أكثر ممّا يخاف المذمّة الصّادقة والمقدم للحكمة والإخلاص بالضّدّ من ذلك؛ فإنّه يختار الموت الحميد على الحياة الذّميمة، ولذلك قال عليّ- رضي الله تعالى عنه-: (أيّها النّاس إنّكم إن لم تقتلوا تموتوا والّذي نفس ابن أبي طالب بيده لألف ضربة بالسّيف أهون من ميتة على فراش) .

ومن الشّجاعة المحمودة مجاهدة الإنسان نفسه أو غيره، وكلّ واحد منهما ضربان: مجاهدة النّفس بالقول: وذلك بالتّعلّم. وبالفعل: وذلك بقمع الشّهوة، وتهذيب الحميّة. ومجاهدة الغير بالقول. وذلك تزيين الحقّ وتعليمه، وبالفعل وذلك مدافعة الباطل ومتعاطيه بالحرب «٢» .

[للاستزادة: انظر صفات: الثبات- الرجولة جهاد الأعداء- القوة- قوة الإرادة- العزم والعزيمة- النبل- علو الهمة.

وفي ضد ذلك: انظر صفات: الجبن- التخاذل التهاون- التولى- التخلف عن الجهاد- صغر الهمة- الضعف- الوهن] .


(١) بتصرف شديد من الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة في العقائد والفنون المتنوعة الفاخرة، للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي (٥٤- ٦٠) .
(٢) الذريعة إلى مكارم الشريعة (٣٢٨- ٣٢٩) .