بعد أن بذلت قريش كل ما في وسعها من قوة وحيلة في إطفاء أنوار الدعوة المحمدية، وباءت بخيبة مريرة حوّلت ذلك إلى نقمة على المستضعفين من المؤمنين كبلال وعمّار ووالده ياسر وأمه سمية، وصهيب الرومي، وخبّاب ابن الأرت وأبي فهيرة، وأبي فكيه، ومن النساء زنّيرة، والنهدية، وأم عبيس.
أمّا بلال فكان مملوكا لأميّة بن خلف الجمحي، وكان يعذبه بإلقائه في الرمضاء على وجهه وظهره، ويضع الصخرة العظيمة على صدره، وذلك إذا حميت الشمس وقت الظهيرة، ويقول له: لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد، وتعبد اللات والعزى، وبلال صابر يردد كلمة:«أحد.. أحد» . وأخيرا استبدله أبو بكر الصديق بعبد مشرك عنده وأعتقه- رضي الله عنهما-.
وأمّا عمّار وأمه ووالده ياسر فقد كانوا يخرجونهم إلى الأبطح إذا حميت الرمضاء يعذبونهم بحرّها، فمر بهم النبي صلّى الله عليه وسلّم وهم يعذبون، فقال:«صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنّة» . فمات ياسر تحت العذاب رحمه الله رحمة واسعة.
وأمّا سميّة فقد أغلظت القول لأبي جهل فطعنها بحربته في قبلها فماتت شهيدة، فكانت أول شهيد في الإسلام.
وشدد أعداء الله العذاب على عمّار ونوّعوا العذاب عليه فمرة بالجرّ ومرة بوضع الصخرة على صدره، وأخرى بالغمس في الماء إلى حد الاختناق ويقولون له لا نتركك حتى تسب محمدا، وتقول في اللات والعزى خيرا، وفعل ما طلبوه منه فتركوه، فأتى النبي صلّى الله عليه وسلّم يبكي فقال:«ما وراءك؟» . فقال: شر يا رسول الله، كان الأمر كذا وكذا.
فقال له:«كيف تجد قلبك؟» . قال: أجده مطمئنا بالإيمان. فقال:«إن عادوا يا عمّار فعد» . وأنزل الله تعالى قوله من سورة النحل: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً «١» .
وأمّا خبّاب فقد أسلم سادس ستة فقد عذبه المشركون عذابا شديدا إذ كانوا يلصقون ظهره بالرمضاء ثم بالحجارة المحماة بالنار ويلوون رأسه. وأمّا عامر بن فهيرة فقد أسلم قديما قبل دخول الرسول صلّى الله عليه وسلّم إلى دار الأرقم، وكان من المستضعفين فعذّب عذابا شديدا، ولم يرده ذلك عن دينه، وكان يرعى غنما لأبي بكر، وكان يروح بها الى النبي صلّى الله عليه وسلّم وأبي بكر وهما في الغار طوال المدة التي كانا فيها في الغار، وأمّا أبو فكيهة واسمه أبو يسار فكان عبدا لصفوان بن أمية بن خلف الجمحي، أسلم مع بلال فأخذه أميّة بن خلف وربط في رجليه حبلا وأمر فجرّ ثم ألقاه في الرمضاء، ومر به جعل (حشرة معروفة) فقال له أمية: أليس هذا ربك؟. فقال: الله ربي وربك وربّ هذا. فخنقه خنقا شديدا، وكان معه أخوه أبي بن خلف فيقول: زده عذابا حتى يأتي محمد فيخلصه بسحره ولم يزالوا يعذبونه كذلك حتى أغمي عليه فظنوه مات ثم أفاق فاشتراه أبو بكر الصديق وأعتقه.
وأمّا النساء المؤمنات زنّيرة وأم عبيس ولبيبة والنهدية فقد عذّبن كذلك أشدّ العذاب من قبل مواليهنّ ولم يرجعن عن دينهنّ، فرضي الله عنهن وأرضاهن.