للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلا تجد زانيا معه ورع، ولا وفاء بعهد، ولا صدق في حديث، ولا محافظة على صديق، إذ الغدر والكذب والخيانة وقلّة الحياء وعدم المراقبة وعدم الأنفة للحرم وذهاب الغيرة من شعبه وموجباته «١» ومفهوم ذلك أنّ الّذي يحافظ على فرجه يقي نفسه هذه الخلال السّيّئة ويتّصف بأضدادها من كمال الدّين والمروءة والغيرة والوفاء والمراقبة ونحوها ممّا يسعد المرء في الدّنيا والآخرة.

[بم تحفظ الفروج؟]

إذا كان الإسلام قد أمر بحفظ الفروج من الزّنا وما يشبهه ويلحق به من سفاح «٢» وبغاء «٣» ولواط «٤» ومساحقة «٥» واستمناء «٦» وعهارة «٧» ، فإنّه قد أوضح بجلاء لا ريب فيه الطرق الكفيلة بحماية الفرد والمجتمع من هذه الآفات المهلكة، فحثّ على العفّة والطّهارة، وأمر بغضّ البصر ونهى عن التّبرّج وغلّظ عقوبة الزّنا «٨» ، ليس ذلك فحسب، ولكنّه حثّ على الزّواج لمن يقدر عليه تحصينا لفرجه، وبالصّوم لمن لا يقدر على الزّواج، وما ذلك إلّا ليقي المسلم من ثوران الشّهوة وسطوة الغريزة من ناحية، والمحافظة على النّسل وتقوية المجتمع الإسلاميّ بما ينجم عن الزّواج من تكثير عدد المسلمين واستمراريّة وجودهم من ناحية أخرى.

[حث الإسلام على الزواج:]

حثّ القرآن الكريم في مواطن عديدة على الزّواج تحصينا للفرج وحفاظا على المجتمع، ووقاية من الانحراف أو الانجراف نحو مقتضيات رغبة طائشة، فقال عزّ من قائل: وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ (النور/ ٣٢) . وجعله المصطفى صلّى الله عليه وسلّم من سنّته، وذلك كما جاء في حكاية الرّهط الّذين تقالّوا عبادته صلّى الله عليه وسلّم، وقال أحدهم: أمّا أنا فأعتزل النّساء فلا أتزوّج أبدا ... الحديث «٩» ، وهنا ردّ عليه الرّسول الكريم بأنّه: «يتزوّج النّساء» ، وقال تعقيبا على ذلك: فمن رغب عن سنّتي فليس منّي. قال ابن حجر: والمراد من ذلك أنّ من ترك طريقتي وأخذ بطريقة غيري فليس منّي يلمّح بذلك إلى طريق الرّهبانيّة الّتي ابتدعوها تشدّدّا وما وفّوا بما التزموه، أمّا طريقة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الحنيفيّة السّمحة فإنّ منها التّزوّج لكسر الشّهوة وإعفاف النّفس وتكثير النّسل «١٠» .

حفظ الفرج من مقاصد الزّواج:

ذكر الإمام الغزاليّ تكثير النّسل وإبقاءه على أنّه المقصد الأوّل للزّواج وجعل حفظ الفرج وكسر الشّهوة المقصد الثّاني فقال: فيه (أي النّكاح) فوائد خمسة:


(١) غذاء الألباب للسفاريني الحنبلي ٢/ ٣٤٥ (نقلا عن روضة المحبين لابن القيم) .
(٢) السفاح: يراد به الزنا يعقبه الزواج ممن زنى بها قبله.
(٣) البغاء: هو الفجور والزنا (خاصة إذا كان ذلك بأجر) .
(٤) اللواط: أن يأتي الرجل الرجل في دبره.
(٥) المساحقة: أن تفعل المرأة بالمرأة مثلما يفعله بها الرجل.
(٦) الاستمناء: استخراج المني على غير وجه شرعي.
(٧) العهارة: أن يأتي المرأة للفجور بها ليلا، ثم غلبت على الزنا مطلقا.
(٨) عقدنا لهذه الأمور الخمسة (العفة والطهارة وغض البصر والتبرج والزنا) صفات خاصة، يرجع إليها في مواضعها من الموسوعة.
(٩) انظر الحديث بتمامه في قسم الأحاديث برقم (١٦) .
(١٠) فتح الباري (٩/ ٨) .