للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والحبط في الضّرع أهون الورم، وقولهم: حبط (فلان) حبطا وحبوطا: عمل عملا ثمّ أفسده «١» ، وفي التّنزيل العزيز: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (محمد/ ٩) ، قال القرطبيّ في معنى الآية:

كرهوا ما أنزل الله من الكتب والشّرائع فأحبط (أبطل ولم يقبل) ما لهم من صور الخيرات كعمارة المساجد وقرى الضيف، وأصناف القرب، ولا يقبل الله الأعمال إلّا من مؤمن «٢» ، أمّا قوله عزّ وجلّ: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فالمعنى: بطلت هذه الأعمال وفسدت، والآية تهديد للمسلمين ليثبتوا على دين الإسلام «٣» .

قال الأزهريّ: ولا أرى حبط العمل (حبوطه) وبطلانه مأخوذا إلّا من حبط البطن، لأنّ صاحب البطن يهلك، وكذلك عمل المنافق يحبط، غير أنّهم سكّنوا الباء في حبوط الأعمال فقالوا حبط، وحرّكوها في حبوط البطن فقالوا: حبط، ومن الاستعمالات الأخرى لهذا الفعل قولهم: حبط دم القتيل إذا هدر، وحبطت البئر إذا ذهب ماؤها «٤» .

[الإحباط اصطلاحا:]

قال الكفويّ: الإحباط هو إبطال الحسنات بالسّيّئات «٥» .

وقال أسعد رزق: الإحباط (وترادفه الخيبة) هو إعاقة المرء عن بلوغ هدف ما، وسدّ الطّريق الّتي يسلكها نحو الوصول إلى هدفه، سواء أكان السّعي نحو الهدف سعيا واعيا أو غير واع «٦»

، قلت: لقد شاع استعمال لفظ الإحباط في العصر الحديث بمعنى شعور الإنسان بالخيبة لفساد عمله وعدم تحقيق الغرض المقصود منه، ويعقب هذا النّوع من الإحباط حالة من اليأس ربّما تؤدّي لترك العمل بالكلّيّة.

وقال بعض الباحثين المحدثين: الإحباط (بمفهومه العصريّ) يعني مجموعة من المشاعر المؤلمة تنتج عن عجز الإنسان عن الوصول إلى هدف ضروريّ لإشباع حاجة ملحّة عنده «٧» .

[أنواع الإحباط:]

قال في البصائر: وحبط (إحباط) العمل على أضرب:

الأوّل: أن تكون الأعمال دنيويّة (ليست صادرة عن ذي دين) فهي لا تغني شيئا يوم القيامة، وقد أشار المولى إلى ذلك في قوله تعالى: وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (الفرقان/ ٢٣) .

الثّاني: أن تكون أعمالا دنيويّة لا يقصد بها صاحبها وجه الله (وذلك كأعمال الرّياء) .

الثّالث: أن تكون أعمالا صالحة يكون بإزائها


(١) لسان العرب ٧/ ٢٧٢.
(٢) تفسير القرطبي ١٦/ ٢٣٣.
(٣) المرجع السابق ٣/ ٤٦- ٤٧.
(٤) لسان العرب ٧/ ٢٧٢.
(٥) الكليات ١/ ٧٢.
(٦) موسوعة علم النفس ١/ ١١.
(٧) الصحة النفسية في ضوء علم النفس والإسلام لمحمد عودة محمد، وكمال إبراهيم موسى، ص ١٢٦.