للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحياة «١» .

٣- وتذكر الموت اصطلاحا:

حضور صورته وأهواله وما بعده في القلب وانعكاسها على الجوارح سلوكا.

قال ابن الجوزيّ: الواجب على العاقل أخذ العدّة لرحيله؛ فإنّه لا يعلم متى يفجؤه أمر ربّه، ولا يدري متى يستدعى؟ وإنّي رأيت خلقا كثيرا غرّهم الشّباب ونسوا فقدان الأقران، وألهاهم طول الأمل.

وربّما قال العالم المحض لنفسه: أشتغل بالعلم اليوم ثمّ أعمل به غدا، فيتساهل في الزّلل بحجّة الرّاحة، ويؤخّر الأهبة لتحقيق التّوبة ولا يتحاشى من غيبة أو سماعها، ومن كسب شبهة يأمل أن يمحوها بالورع.

وينسى أنّ الموت قد يبغته. فالعاقل من أعطى كلّ لحظة حقّها من الواجب عليه. فإن بغته الموت رئي سعيدا، وإن نال الأمل ازداد خيرا «٢» .

وقال أيضا: إذا علم الإنسان بأنّ الموت يقطعه عن العمل، عمل في حياته ما يدوم له أجره بعد موته.

فإن كان له شيء من الدّنيا وقف وقفا وغرس غرسا وأجرى نهرا، ويسعى في تحصيل ذرّيّة تذكر الله بعده فيكون الأجر له، أو أن يصنّف كتابا من العلم؛ فإنّ تصنيف العالم ولده المخلّد. وأن يكون عاملا بالخير عالما فيه فينقل من فعله ما يقتدي الغير به فذلك الّذي لم يمت «٣» .

[من معاني الموت في القرآن:]

قال ابن الجوزيّ: ذكر بعض المفسّرين أنّ الموت في القرآن على أوجه:

أحدها: الموت نفسه، ومنه قوله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ (آل عمران/ ١٨٥) .

الثّاني: الضّلال، ومنه قوله تعالى: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ (الأنعام/ ١٢٢) .

الثّالث: الجدب، ومنه قوله تعالى: فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ (فاطر/ ٩) .

الرّابع: الجماد، ومنه قوله تعالى: أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ (النحل/ ٢١) يعني الأوثان.

الخامس: الكفر، ومنه قوله تعالى: وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ (آل عمران/ ٢٧) وهو الكافر «٤» .

[للاستزادة: انظر صفات: الاستغفار- التذكير- التفكر- التوبة- الذكر- الخوف- الخشية الدعاء- الرجاء- الضراعة والتضرع- الورع- اليقين.

وفي ضد ذلك: انظر صفات: طول الأمل- الإعراض- الأمن من المكر- التفريط والإفراط- الغفلة- اللهو واللعب- الكبر والعجب] .


(١) التعريفات (٢٣٥) . ونزهة الأعين النواظر (٥٦٩) .
(٢) صيد الخاطر (٦- ٧) .
(٣) المرجع السابق (١٢) .
(٤) نزهة الأعين النواظر (٥٧٠) .