للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأعلمه الوحي بذلك فانصرف عنهم بسرعة راجعا إلى المدينة حيث أمر بحصارهم «١» . وقد انفرد موسى ابن عقبة بالقول بأن بني النضير كانوا «قد دسّوا إلى قريش وحضّوهم على قتال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ودلّوهم على العورة» وذلك عندما نزلوا بأحد لقتال الرسول صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين «٢» . وعند تدقيق الأخبار فإن بالإمكان التعرف على مدى حقد يهود بني النضير على الرسول صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين، فقد تواطئوا مع أبي سفيان وفرسانه حين كمنوا عندهم في غزوة السويق قبل الاعتداء على أطراف المدينة، وكان كعب بن الأشرف قد أعلن مجاهرته بعداوة المسلمين فهجاهم وحرّض قريشا عليهم وشبب بنسائهم، إلى جانب محاولتهم قتل النبي صلّى الله عليه وسلّم غيلة في المناسبتين المذكورتين آنفا، وذلك ما يكمن وراء قرار النبي صلّى الله عليه وسلّم الحكيم والحازم بضرورة طردهم من منطقة المدينة حيث إنه وضع بذاك حدّا لممارستهم الإجرامية المتكررة.

[إنذار بني النضير بالجلاء وحصارهم:]

سجلت معظم كتب السيرة النبوية خبر إنذار النبي صلّى الله عليه وسلّم لبني النضير بالجلاء خلال عشرة أيام دون أسانيد «٣» ، كما سجلت موقف المنافقين وعلى رأسهم عبد الله بن أبي بن سلول وتحريضهم لليهود على التمرد وعدم الجلاء ووعدهم بالنصر بروايات ضعيفة لا تصلح للاحتجاج بها «٤» ، ولكن يكفي لثبوته ما ورد في سورة الحشر «٥» التي ثبت أنها نزلت في بني النضير «٦» .

أما عن الحصار فقد صح أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد حاصرهم وطالبهم بأن يعاهدوه كشرط لتأمينهم فقال صلّى الله عليه وسلّم لهم: «إنكم لا تأمنون عندي إلّا بعهد تعاهدوني عليه، فأبوا أن يعطوه عهدا، فقاتلهم يومهم ذلك هو والمسلمون، ثم غدا الغد على بني قريظة بالخيل والكتائب، وترك بني النضير، ودعاهم إلى أن يعاهدوه، فعاهدوه، فانصرف عنهم وغدا إلى بني النضير بالكتائب فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء وعلى أن لهم ما أقلّت الإبل إلّا الحلقة- السلاح- فجاءت بنو النضير واحتملوا ما أقلّت الإبل من أمتعتهم، وأبواب بيوتهم، فكانوا يخربون بيوتهم فيهدمونها، فيحملون ما وافقهم من خشبها» «٧» .

وفي ذلك يقول عزّ وجلّ: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ


(١) ابن إسحاق- السيرة ٣/ ١٩١.
(٢) البيهقي- دلائل النبوة ٣/ ١٨٠.
(٣) الواقدي- مغازي ١/ ٣٦٣- ٣٧٠، ابن هشام- السيرة ٣/ ٦٨٢، ابن سعد- الطبقات ٣/ ٥٧- ٥٨، البيهقي- دلائل النبوة ٣/ ٤٦٦- ٤٤٨، الطبري- تاريخ ٣/ ٣٣٤- ٣٣٥، ابن سيد الناس- عيون الأثر ٣/ ٤٨، ابن كثير- البدآية والنهاية ٣/ ٤٥.
(٤) ابن سيد الناس- عيون الأثر ٢/ ٤٩.
(٥) القرآن الكريم- سورة الحشر، الآيات/ ١١- ١٢.
(٦) الطبري- التفسير ٢٨/ ٤٦، ابن هشام- السيرة ٣/ ٢٧٢- ٣، وانظر فتح الباري ٧/ ٣٣١، وفي آية الحشر ونزولها في بني النضير انظر: البخاري- الصحيح الحديث (٤٠٢٨) ، عبد الرزاق الصنعاني- المصنف ٥/ ٣٥٨- ٦١، أبو داود- السنن ٣/ ٤٠٤- ٧، البيهقي- دلائل ٣/ ٤٤٦- ٨.
(٧) الصنعاني- المصنف ٥/ ٣٥٨- ٦١.