للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فقد قيل في تفسيره: الّذي جاء بالصّدق هو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقيل: جبريل عليه السّلام. أمّا الّذي جاء به فهو محمّد صلّى الله عليه وسلّم جاء بالصّدق أي جاء ب «لا إله إلّا الله» وروي عن مجاهد قوله «الّذي جاء بالصّدق وصدّق به» هم أصحاب القرآن والمؤمنون يجيئون يوم القيامة فيقولون:

هذا ما أعطيتمونا فعملنا فيه بما أمرتمونا» قال ابن كثير:

وهذا القول عن مجاهد يشمل كلّ المؤمنين، فإنّ المؤمنين يقولون الحقّ ويعملون به، والرّسول صلّى الله عليه وسلّم أولى النّاس بالدّخول في هذه الآية؛ لأنّه جاء بالصّدق وصدّق المرسلين وآمن بما أنزل إليه من ربّه والمؤمنون كلّ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله. وحكي عن زيد بن أسلم:

أنّ الّذي جاء بالصّدق هو الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وأنّ الّذي صدّق به هم المسلمون «١» .

[الصدق اصطلاحا:]

قال الرّاغب: الصّدق مطابقة القول الضّمير والمخبر عنه معا، ومتى انخرم شرط من ذلك لم يكن صدقا تامّا، بل إمّا ألّا يوصف بالصّدق، وإمّا أن يوصف تارة بالصّدق وتارة بالكذب على نظرين مختلفين، كقول كافر إذا قال من غير اعتقاد: محمّد رسول الله، فإنّ هذا يصحّ أن يقال: صدق لكون المخبر عنه كذلك، ويجوز أن يقال كذب لمخالفة قوله ضميره، وبالوجه الثّاني، إكذاب الله المنافقين حيث قالوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ. (المنافقون/ ١) «٢» .

وقال الجرجانيّ: مطابقة الحكم للواقع، وهذا هو ضدّ الكذب «٣» .

وقيل: استواء السّرّ والعلانية والظّاهر والباطن بألّا تكذّب أحوال العبد أعماله، ولا أعماله أحواله.

وجعلوا الإخلاص لازما، والصّدق أعمّ، فقالوا: كلّ صادق مخلص، وليس كلّ مخلص صادقا.

وسئل الجنيد- رحمه الله- عن الصّدق والإخلاص أهما واحد أم بينهما فرق؟ فقال: بينهما فرق. الصّدق أصل، والإخلاص فرع، والصّدق أصل كلّ شيء، والإخلاص لا يكون إلّا بعد الدّخول في الأعمال، والأعمال لا تكون مقبولة إلّا بهما «٤» .

قال القشيريّ: الصّدق أن لا يكون في أحوالك شوب «٥» ، ولا في اعتقادك ريب، ولا في أعمالك عيب.

وقد لخّص الماورديّ- رحمه الله- دواعي الصّدق فقال:

١- العقل: من حيث كونه موجبا لقبح الكذب.

٢- الشّرع: حيث ورد بوجوب اتّباع الصّدق وحظر الكذب، والله سبحانه لم يشرع إلّا كلّ خير.

٣- المروءة: لأنّها مانعة من الكذب باعثة على الصّدق.

٤- حبّ الاشتهار بالصّدق: فمن يتمتّع بهذا الاشتهار بين النّاس، لا يردّ عليه قوله، ولا يلحقه ندم «٦» .


(١) تفسير ابن كثير (٤/ ٥٨- ٥٩) .
(٢) المفردات للراغب (٢٧٧) .
(٣) التعريفات للجرجاني (١٣٢) .
(٤) دليل الفالحين (١/ ٢٠٢) .
(٥) الشوب: هو ما اختلط بغيره من الأشياء.
(٦) أدب الدنيا والدين (٢٦١- ٢٦٢) .