للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

البدويّ من باديته إلى المدن. يقال: هاجر الرّجل إذا فعل ذلك، وكذلك كلّ مخل بمسكنه منتقل إلى قوم آخرين بسكناه. فقد هاجر قومه. وسمّي المهاجرون مهاجرين لأنّهم تركوا ديارهم ومساكنهم الّتى نشأوا بها لله. ولحقوا بدار ليس لهم بها أهل ولا مال حين هاجروا إلى المدينة، فكلّ من فارق بلده من بدويّ أو حضريّ أو سكن بلدا آخر، فهو مهاجر. قال الله- عزّ وجلّ-:

وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً (النساء/ ١٠٠) وكلّ من أقام من البوادي ببواديهم ومحاضرهم في القيظ ولم يلحقوا بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولم يتحوّلوا إلى أمصار المسلمين الّتي أحدثت في الإسلام وإن كانوا مسلمين، فهم غير مهاجرين، وليس لهم في الفيء نصيب ويسمّون الأعراب «١» .

[واصطلاحا:]

هي ترك الوطن الّذي بين الكفّار، والانتقال إلى دار الإسلام «٢» .

وقال الرّاغب: الهجرة: الخروج من دار الكفر إلى دار الإيمان كمن هاجر من مكّة إلى المدينة، قيل:

ومقتضى ذلك هجران الشّهوات والأخلاق الذّميمة والخطايا وتركها ورفضها «٣» .

وقال الكفويّ: الهجرة: هجرتان: أولاهما:

هجرة المسلمين في صدر الإسلام إلى الحبشة فرارا من أذى قريش، وثانيتهما: هجرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين قبله وبعده ومعه إلى المدينة، وقد كانت الهجرة من فرائض الإسلام بعد هجرته صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ نسخت بعد فتح مكّة لقوله صلّى الله عليه وسلّم «لا هجرة بعد الفتح» «٤» .

[أنواع الهجرة:]

قال ابن الأثير: الهجرة هجرتان: إحداهما الّتي وعد الله عليها الجنّة في قوله: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ (التوبة/ ١١١) فكان الرّجل يأتي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ويدع أهله وماله، لا يرجع في شيء منه وينقطع بنفسه إلى مهاجره، وكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يكره أن يموت الرّجل بالأرض الّتي هاجر منها، فمن ثمّ قال: «لكن البائس سعد بن خولة» يرثي له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن مات بمكّة. وقال حين قدم مكّة: «اللهمّ لا تجعل منايانا بها» فلمّا فتحت مكّة صارت دار إسلام كالمدينة، وانقطعت الهجرة.

والهجرة الثّانية: من هاجر من الأعراب وغزا مع المسلمين، ولم يفعل كما فعل أصحاب الهجرة الأولى.

فهو مهاجر وليس بداخل في فضل من هاجر تلك الهجرة وهو المراد بقوله «لا تنقطع الهجرة حتّى تنقطع التّوبة» فهذا وجه الجمع بين الحديثين. وإذا أطلق في الحديث ذكر الهجرتين فإنّما يراد بهما هجرة الحبشة وهجرة المدينة «٥» .


(١) الصحاح (٢/ ٨٥١) ، مقاييس اللغة (٦/ ٣٤) ، بصائر ذوي التمييز (٥/ ٣٠٤) ، مفردات الراغب (٥٣٧) ، لسان العرب (٥/ ٢٥٠) (ط بيروت) .
(٢) التعريفات للجرجاني (٢٥٦) والمراد بالوطن هنا الإقامة والتوطن.
(٣) المفردات (٥٣٧) .
(٤) الكليات (ص ٦٩٢) .
(٥) النهاية لابن الأثير (٥/ ٢٤٤) .