للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخالق والمخلوق في اتّجاه واحد هو تحقيق رضا الله- سبحانه وتعالى- والالتزام بتحقيق هذا الرّضا في كلّ صغيرة وكبيرة من شؤون الحياة.

٥- وهذا يستلزم من الإنسان سموّا في أخلاقه، وترفّعا عن الأنانية وعن الأهواء، وعن المآرب في الدّنيا.

٦- ويأتي العمل بعد ذلك محقّقا أو في طريق بلوغ الكمال الإنسانيّ «١» .

والأمر كذلك فإنّه إذا لم تتحقّق هذه الشّروط الموضوعيّة فإنّ النّاتج عن الإنسان يكون خلقا سيّئا؛ لأنّه تعبير عن الإيمان بالله وتعبير عن الرّؤية الموضوعيّة للأشياء والحقائق. وعلى هذا يكون الخلق السّيّىء فعلا إنسانيّا لا ترتبط فيه الأفعال بالطّاعة، أي أنّه فعل تنفصل فيه الطّاعة عن الأخلاق، ويصبح الفعل شكليّا أو مظهريّا. كما أنّه فعل لا يدرك الغائيّة الخلقيّة، من حيث إنّها تهدف إلى تحقيق سعادة الإنسان في الدّنيا والحياة الآخرة، الأمر الّذي يجعل العمل الّذي يقوم به الإنسان فاقدا لقيمته الخلقيّة ودلالته الإنسانيّة، كما أنّ هذا الفعل فاقد للتّمحيص والتّدقيق اللّازمين كي يكون موافقا لما أمر الله سبحانه وندب إليه في وقته الملائم والمناسب. وفي هذا الوضع يكون هذا العمل استجابة لا خلقيّة، وبذا يكون صاحبه متّصفا بسوء الخلق «٢» .

فالخلق السّيّىء، خلق فاسد متّصف بالشّرّ، لا يتّفق مع الواجبات الدّينيّة والخلقيّة، ولا يتّفق مع ما شرع الله أمرا، ونهيا، وهو فعل منكر، وسلوك غير صالح «٣» ، وهذا ناتج عن مرض القلب.

[الفرق بين الخلق والعادة:]

الخلق يقال في القوى المدركة بالبصيرة، وتارة يجعل للقوّة الغريزيّة، وتارة اسما للحالة المكتسبة الّتي يصير بها الإنسان خليقا أن يفعل شيئا دون شيء كمن هو خليق بالغضب لحدّة مزاجه، ولهذا خصّ كلّ حيوان بخلق في أصل خلقته، كالشّجاعة للأسد، والمكر للثّعلب، ويجعل الخلق تارة من الخلاقة وهي الملابسة، وكأنّه اسم لما مرن عليه الإنسان بالعادة، وقد روي «ما أعطى الله أحدا أفضل من خلق حسن» فجعل الخلق مرّة للهيئة الموجودة في النّفس الّتى يصدر عنها الفعل بلا فكر «٤» ، وجعل مرّة اسما للفعل الصّادر عنه باسمه، وذلك نحو: العفّة، والشّجاعة؛ فإنّ ذلك يقال للهيئة وللفعل جميعا، وربّما تسمّى الهيئة باسم، والفعل الصّادر عنها باسم آخر كالسّخاء، والجود؛ فإنّ السّخاء اسم للهيئة الّتى يكون عليها


(١) النظرية الخلقية عند ابن تيمية، محمد عبد الله عفيفي، (٥٨) .
(٢) المرجع السابق (٥٩، ٦٠) بتصرف.
(٣) المرجع السابق (٤٨٤) .
(٤) ذكر محقق كتاب الذّريعة أنّ هذا هو التعريف السّائد للخلق عند الأخلاقيين الإسلاميين، وقد نقله ابن مسكويه عن أرسطو، ونقله الكثيرون عنه ومنهم الإمام الغزالى، (انظر تهذيب الأخلاق لابن مسكويه (٣٦) ، والإحياء (٣/ ٥٢) ط الحلبي: وقد قال بذلك أيضا الجاحظ في تهذيب الأخلاق بتعبير مقارب وهو: حال للنفس بها يفعل الإنسان أفعاله بلا روية ولا اختيار، كما نقله أيضا الجرجاني في التعريفات (١٠٦) ، والمناوي في التوقيف (١٥٩) .