للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإنسان، والجود اسم للفعل الصّادر عنها، وإن كان قد يسمّى كلّ واحد باسم الآخر، وأمّا العادة فاسم لتكرير الفعل أو الانفعال، وبها يكمل الخلق، وليس للعادة فعل إلّا تسهيل خروج ما هو بالقوّة في الإنسان إلى الفعل «١» .

بين الخلق والتّخلّق:

قال الرّاغب: الفرق بين الخلق والتّخلّق أنّ التّخلّق معه استثقال واكتئاب ويحتاج إلى بعث، وتنشيط من الخارج، والخلق معه استخفاف وارتياح ولا يحتاج إلى بعث من خارج، والتّخلّق ضربان:

الأوّل: محمود، وذلك ما كان على سبيل الارتياض والتّدرّب، ويتحرّاه صاحبه سرّا وجهرا على الوجه الّذي ينبغي، وبالمقدار الّذي ينبغي.

الثّاني: مذموم، وذلك ما كان على سبيل المراءاة، ولا يتحرّاه صاحبه إلّا حيث يقصد أن يذكر به، ويسمّى ذلك رياء، وتصنّعا، وتشيّعا، ولن ينفكّ صاحبه من اضطراب يدلّ على تشيّعه، وعلى ذلك قول عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: «من تخلّق للنّاس بغير ما فيه فضحه الله- عزّ وجلّ- «٢» » .

هل يمكن تغيير الخلق السّيّىء إلى خلق حسن:

يقول الجاحظ ما خلاصته: إنّ الأخلاق المذمومة موجودة في كثير من النّاس، غالبة عليهم، مالكة لهم، بل قلّما يوجد فيهم من يخلو من خلق سيّىء أو مكروه، ويسلم من جميع العيوب، ولكنّهم يتفاضلون في ذلك، وكذلك في الأخلاق المحمودة قد يختلف النّاس ويتفاضلون، إلّا أنّ المجبولين على الأخلاق الحسنة قليلون جدّا، وأمّا المجبولون على الأخلاق السّيّئة فأكثر النّاس وما ذلك إلّا لأنّ الإنسان إذا استرسل مع طبعه، ولم يستعمل الفكر ولا التّمييز، ولا الحياء ولا التّحفّظ، كان الغالب عليه أخلاق البهائم، لأنّ الإنسان إنّما يتميّز على البهائم بالفكر والتّمييز؛ فإذا لم يستعملهما كان مشاركا للبهائم في عاداتها، ولمّا كان النّاس مطبوعين على الأخلاق السّيّئة منقادين للشّهوات الرّديئة، وقع الافتقار إلى الشّرائع والسّنن، والسّياسات المحمودة «٣» ، ولكن، هل يمكن للإنسان أن يغيّر خلقه؟

على هذا التّساؤل أجاب الإمام الرّاغب فقال:

اختلف النّاس في الخلق فقال بعضهم: هو من جنس الخلقة، ولا يستطيع أحد تغييره عمّا جبل عليه إن خيرا وإن شرّا كما قيل:

وما هذه الأخلاق إلّا غرائز ... فمنهنّ محمود ومنهنّ مذمم

ولن يستطيع الدّهر تغيير خلقة ... بنصح ولا يسطيعه متكرّم

«٤»


(١) الذريعة إلى مكارم الشريعة (١١٤) .
(٢) المرجع السابق (١٢٢) (بتصرف) .
(٣) تهذيب الأخلاق للجاحظ (١٢٠) .
(٤) هذا الرّأي واضح البطلان لأن إرسال الرّسل وتشريع الشرائع إنما يستهدف في المقام الأول تغيير الأخلاق السيئة إلى الأخلاق الحميدة، وإذا كان الدهر هو الذي لا يستطيع ذلك فهو صحيح، ولكن من قال بذلك؟ إنّ الذي يستطيعه فعلا هو الأخذ بمنهج الله والسير على سيرة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، أو ليس الحلم بالتّحلّم والصبر بالتصبر؟!