ما أمر به من محاسن الأخلاق ودعا إليه من مستحسن الآداب وحثّ عليه من صلة الأرحام وندب إليه من التّعطّف على الضّعفاء والأيتام.
ثمّ ما نهى عنه من التّباغض والتّحاسد وكفّ عنه من التّقاطع والتّباعد لتكون الفضائل فيهم أكثر ومحاسن الأخلاق بينهم أنشر، ومستحسن الآداب عليهم أظهر وتكون إلى الخير أسرع ومن الشّرّ أمنع.
فيتحقّق فيهم قول الله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ فلزموا أمره واتّقوا زواجره فتكامل بهم صلاح دينهم ودنياهم حتّى عزّ بهم الإسلام بعد ضعفه وذلّ بهم الشّرك بعد عزّه فصاروا أئمّة أبرارا وقادة أخيارا.
[الخصلة الخامسة:]
وضوح جوابه إذا سئل وظهور حجاجه إذا جادل لا يحصره عيّ، ولا يقطعه عجز ولا يعارضه خصم في جدال إلّا كان جوابه أوضح وحجاجه أرجح.
[الخصلة السادسة:]
أنّه محفوظ اللّسان من تحريف في قول واسترسال في خبر يكون إلى الكذب منسوبا وللصّدق مجانبا، فإنّه لم يزل مشهورا بالصّدق في خبره كان فاشيا وكثيرا حتّى صار بالصّدق مرقوما، وبالأمانة موسوما.
وكانت قريش بأسرها تتيقّن صدقه قبل الإسلام فجهروا بتكذيبه في استدعائهم إليه فمنهم من كذّبه حسدا ومنهم من كذّبه عنادا ومنهم من كذّبه استبعاد أن يكون نبيّا أو رسولا.
ولو حفظوا عليه كذبة نادرة في غير الرّسالة لجعلوها دليلا على تكذيبه في الرّسالة، ومن لزم الصّدق في صغره كان له في الكبر ألزم ومن عصم منه في حقّ نفسه كان في حقوق الله تعالى أعصم وحسبك بهذا دفعا لجاحد وردّا لمعاند.
الخصلة السّابعة:
تحرير كلامه في التّوخّي به إبّان حاجته والاقتصار منه على قدر كفايته فلا يسترسل فيه هذرا ولا يحجم عنه حصرا وهو فيما عدا حالتي الحاجة والكفاية أجمل النّاس صمتا وأحسنهم سمتا.
ولذلك حفظ كلامه حتّى لم يختلّ وظهر رونقه حتّى لم يعتلّ واستعذبته الأفواه حتّى بقي محفوظا في القلوب مدوّنا في الكتب فلن يسلم الاكثار من الزّلل ولا الهذر من الملل.
الخصلة الثّامنة:
أنّه أفصح النّاس لسانا وأوضحهم بيانا وأوجزهم كلاما وأجزلهم ألفاظا وأصحّهم معاني، لا يظهر فيه