للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبعد هذا التّمهيد الموجز، نورد بإذن الله تعالى، جملة من معجزات ودلائل نبوّة سيّد الأوّلين والآخرين صلّى الله عليه وسلّم ممّا ساندها الدّليل الصّحيح.

[المعجزة الكبرى:]

أعطى الله عزّ وجلّ كلّ نبيّ من الأنبياء عليهم السّلام معجزة خاصّة به لم يعطها بعينها غيره تحدّى بها قومه، وكانت معجزة كلّ نبيّ تقع مناسبة لحال قومه وأهل زمانه.

فلمّا كان الغالب على زمان موسى عليه السّلام السّحر وتعظيم السّحرة، بعثه الله بمعجزة بهرت الأبصار، وحيّرت كلّ سحّار، فلمّا استيقنوا أنّها من عند العزيز الجبّار انقادوا للإسلام

وصاروا من عباد الله الأبرار.

وأمّا عيسى عليه السّلام فبعث في زمن الأطبّاء وأصحاب علم الطّبيعة، فجاءهم من الآيات بما لا سبيل لأحد إليه إلّا أن يكون مؤيّدا من الّذي شرع الشّريعة، فمن أين للطّبيب قدرة على إحياء الجماد، وبعث من هو في قبره رهين إلى يوم التّناد، أو على مداواة الأكمه والأبرص.

وكذلك نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم، بعث في زمان الفصحاء والبلغاء وتجاريد الشّعراء، فأتاهم بكتاب من عند الله عزّ وجلّ، فاتّهمه أكثرهم أنّه اختلقه وافتراه من عنده فتحدّاهم ودعاهم أن يعارضوه ويأتوا بمثله وليستعينوا بمن شاءوا فعجزوا عن ذلك كما قال تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً «١» .

وكما قال الله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ* فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ «٢» .

ثمّ تقاصر معهم إلى عشر سور منه، فقال في سورة هود. أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ «٣» .

ثمّ تنازل إلى سورة فقال في سورة يونس: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ «٤» .

وكذلك في سورة البقرة وهي مدنيّة أعاد التّحدّي بسورة منه، وأخبر تعالى أنّهم لا يستطيعون ذلك أبدا لا في الحال ولا في المآل. فقال تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ


(١) سورة الإسراء: آية رقم (٨٨) .
(٢) سورة الطور: آية رقم (٣٣، ٣٤) .
(٣) سورة هود: آية رقم (١٣) .
(٤) سورة يونس: آية رقم (٣٨) .