قال الشّاطبيّ- رحمه الله تعالى-: الشّريعة جارية في التّكليف بمقتضاها على الطّريق الوسط الأعدل الأخذ من الطّرفين بقسط لا ميل فيه، الدّاخل تحت كسب العبد من غير مشقّة عليه ولا انحلال؛ بل هو تكليف جار على موازنة تقتضي في جميع المكلّفين غاية الاعتدال ... ، فإن كان التّشريع لأجل انحراف المكلّف، أو وجود مظنّة انحرافه عن الوسط إلى أحد الطّرفين، كان التّشريع رادّا إلى الوسط الأعدل، لكن على وجه يميل فيه إلى الجانب الآخر ليحصل الاعتدال فيه، وفعل الطّبيب الرّفيق يحمل المريض على ما فيه صلاحه بحسب حاله وعادته، وقوّة مرضه وضعفه، حتّى إذا استقلّت صحّته هيّأ له طريقا في التّدبير وسطا لائقا به في جميع أحواله، فهكذا تجد الشّريعة أبدا في مواردها ومصادرها جارية على هذا التّرتيب الوسط المعتدل، فإذا نظرت إلى كلّيّة من كلّيّات الشّريعة فتأمّلتها وجدتها حاملة على التّوسّط، فإن رأيت ميلا إلى جهة طرف من الأطراف فذلك لعلاج انحراف واقع أو متوقّع في أحد الجانبين، فطرف التّشديد- وعامّة ما يكون في التّخويف والتّرهيب والزّجر- يؤتى به في مقابلة من غلب عليه الانحلال في الدّين، وطرف التّخفيف- وعامّة ما يكون في التّرجية والتّرغيب والتّرخيص- يؤتى به في مقابلة من غلب عليه الحرج في التّشديد، فإذا لم يكن انحراف إلى هذا أو ذاك رأيت التّوسّط لائحا، ومسلك الاعتدال واضحا، وهو الأصل الّذي يرجع إليه والمعقل الّذي يلجأ إليه «١» .
[للاستزادة: انظر صفات: الجود- الشجاعة- العدل والمساواة- القسط- الإنصاف.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الغلو- الإسراف- التفريط والإفراط- العدوان] .