للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النّاجش يستر قصده «١» . وقد سمّيت عمليّة الإغراء أو الاستثارة ب «التّناجش» (وهو «تفاعل» من النّجش) لأنّ عمليّة الإغراء غالبا ما يشترك فيها النّاجش والبائع، يقول ابن حجر مؤكّدا هذا المعنى:

ويقع ذلك منه (أي النّاجش) بمواطأة المالك، فيشتركان في الإثم «٢» ، وقد يختصّ به (أي بالتّناجش) المغري بالسّلعة، وربّما اختصّ به البائع «٣» .

التّناجش اصطلاحا:

قال الإمام الشّافعيّ- رحمه الله-: النّجش: أن يحضر الرّجل السّلعة تباع، فيعطي بها الشّيء «٤» ، وهو لا يريد شراءها ليقتدي به السّوّام، فيعطون بها أكثر ممّا كانوا يعطون لو لم يسمعوا سومه «٥» .

وقال الإمام التّرمذيّ: النّجش: هو أن يأتي الرّجل الّذي يفصل السّلعة إلى صاحب السّلعة فيستام بأكثر ممّا تسوى «٦» ، وذلك عندما يحضره المشتري، يريد أن يغترّ المشتري به (أي بما قاله ثمنا للسّلعة) ، وليس من رأيه الشّراء وإنّما يريد أن يخدع المشتري بما يستام» «٧» .

وقال الجرجانيّ: النّجش أن تزيد في ثمن سلعة ولا رغبة لك في شرائها «٨» .

وقال الإمام ابن حجر: النّجش: هو الزّيادة في ثمن السّلعة ممّن لا يريد شراءها ليقع غيره فيها، وقد سمّي تناجشا لأنّ النّاجش يثير الرّغبة في السّلعة ويقع ذلك بمواطأة البائع فيشتركان في الإثم «٩» .

وقد ذكر الفيّوميّ ما يفيد أنّ التّناجش يقع أيضا في النّكاح عندما قال: يقال: نجش الرّجل: إذا زاد في سلعة أكثر من ثمنها ... وكذلك في النّكاح وغيره، وفعل ذلك هو التّناجش «١٠» .

أنواع التّناجش:

للتّناجش (النّجش) صور عديدة أهمّها:

الأولى: أن يشترك النّاجش والبائع للسّلعة في خداع المشتري بأن يتواطأ كلاهما على ذلك.

الثّانية: أن يقع الإغراء بدون علم البائع بأن يتطوّع النّاجش من تلقاء نفسه برفع ثمن السّلعة.

الثّالثة: انفراد البائع بعمليّة الإغراء بأن يزعم أنّه اشترى بأكثر ممّا اشتراها به، وربّما حلف على ذلك ليغرّ المشتري، وقد يقع ذلك منه بأن يخبر بأنّه أعطي في السّلعة ما لم يعط.

الرّابعة: أن يأتي شخص إلى وليّ أمر فتاة وقد حضر من يخطبها فيذكر مهرا أعلى ليغرّ الخاطب


(١) المصباح المنير ٢/ ٥٩٤.
(٢) انظر فتح الباري ٤/ ٤١٦.
(٣) انظر أنواع التناجش.
(٤) يعطى بها الشيء، أي يذكر لها ثمنا معينا.
(٥) انظر فتح الباري ٤/ ٤١٧.
(٦) استام اي ساوم، والمراد بالمساومة: المجاذبة بين المشتري والبائع على السلعة، وفصل ثمنها.
(٧) سنن الترمذي ٣/ ٥٨٨.
(٨) التعريفات ص ٢٥٩، والى مثل هذا ذهب ابن قدامة في المغنى ٤/ ٢٣٤.
(٩) فتح الباري ٤/ ٤١٦، وقد أشار ابن حجر بذلك الى تقليل تسمية الفقهاء لهذا الضرب من الخديعة ب «التناجش» بدلا من «النجش» .
(١٠) انظر المصباح المنير ٢/ ٥٩٤.