للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[التدبر]

/ الآيات/ الأحاديث/ الآثار/

/ ٤/ ٥/ ٩/

[التدبر لغة:]

التّدبّر مصدر تدبّر وهو مأخوذ من مادّة (د ب ر) الّتي يقول عنها ابن فارس: أصل هذا الباب أنّ جلّه في قياس واحد وهو آخر الشّيء وخلفه خلاف قبله. فمعظم الباب أنّ الدّبر خلاف القبل، وفي الحديث لا تدابروا، وهو من الباب، وذلك أن يترك كلّ واحد منهما الإقبال على صاحبه بوجهه.. «١»

وقال ابن منظور: دبّر الأمر وتدبّره: نظر في عاقبته، واستدبره: رأى في عاقبته ما لم ير في صدره، وعرف الأمر تدبّرا أي بأخرة، قال جرير:

ولا تتّقون الشّرّ حتّى يصيبكم ... ولا تعرفون الأمر إلّا تدبّرا

والتّدبير في الأمر: أن تنظر إلى ما تئول إليه عاقبته، والتّدبّر في الأمر: التّفكّر فيه، وفلان ما يدري قبال الأمر من دباره أي أوّله من آخره، ويقال:

إنّ فلانا لو استقبل من أمره ما استدبره لهدي لوجهة أمره أي لو علم في بدء أمره ما علمه في آخره لاسترشد لأمره، وقال أكثم بن صيفيّ لبنيه: يا بنيّ، لا تتدبّروا أعجاز أمور قد ولّت صدورها «٢» .

[واصطلاحا:]

النّظر في عواقب الأمور وهو قريب من التّفكّر، إلّا أنّ التّفكّر تصرّف القلب بالنّظر في الدّليل والتّدبّر تصرّفه بالنّظر في العواقب «٣» .

تدبّر القرآن:

أمّا تدبّر القرآن فهو تحديق ناظر القلب إلى معانيه وجمع الفكر على تدبّره «٤» وتعقّله وهو المقصود بإنزاله لا مجرّد تلاوته بلا فهم ولا تدبّر.

[الناس عند سماع القرآن أنواع:]

قال تعالى في آياته المشهودة: وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ* إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (ق/ ٣٦- ٣٧) .

قال ابن القيّم- رحمه الله-: النّاس ثلاثة:

رجل قلبه ميّت، فذلك الّذي لا قلب له، فهذا ليست الاية ذكرى في حقّه.

الثّاني: رجل له قلب حيّ مستعد، لكنّه غير مستمع للايات المتلوّة، الّتي يخبر بها الله عن الايات المشهودة، إمّا لعدم ورودها، أو لوصولها إليه وقلبه


(١) مقاييس اللغة (٢/ ٣٢٤) .
(٢) لسان العرب (٤/ ٢٧٣) دار صادر.
(٣) انظر التعريفات للجرجاني (٥٤) .
(٤) مدارج السالكين (١/ ٤٧٥) وقد استعمل في الأصل «تأم» وهو بمعنى التدبر.