للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[واصطلاحا:]

قال الكفويّ: التّيقّظ: كمال التّنبّه والتّحرّز عمّا لا ينبغى «١» .

قال ابن القيّم: اليقظة: أوّل منازل العبوديّة، وهي انزعاج القلب لروعة الانتباه من رقدة الغافلين، ولله ما أنفع هذه الرّوعة، وما أعظم قدرها وخطرها، وما أقوى إعانتها على السّلوك، فمن أحسّ بها فقد أحسّ والله بالفلاح، وإلّا فهو في سكرات الغفلة، فإذا انتبه وتيقّظ شمّر بهمّته إلى السّفر إلى منازله الأولى، فأخذ في أهبة السّفر، فانتقل إلى منزلة العزم، وهو العقد الجازم على الشّيء، ومفارقة كلّ قاطع ومعوّق، ومرافقة كلّ معين وموصّل، وبحسب كمال انتباهه ويقظته تكون عزيمته، وبحسب قوّة عزمه يكون استعداده، فإذا استيقظ أوجبت اليقظة الفكرة وهي تحديق القلب نحو المطلوب الّذي قد استعدّ له مجملا، ولم يهتد إلى تفصيله وطريق الوصول إليه، فإذا صحّت فكرته أوجبت له البصيرة، وهي نور في القلب يرى به حقيقة الوعد والوعيد، والجنّة والنّار، وما أعدّ الله في هذه لأوليائه، وفي هذه لأعدائه، فأبصر النّاس قد خرجوا من قبورهم مهطعين لدعوة الحقّ، وقد نزلت ملائكة السّماوات فأحاطت بهم، وقد جاء الله وقد نصب كرسيّه لفصل القضاء، وقد أشرقت الأرض بنوره، ووضع الكتاب وجأ بالنّبيّين والشّهداء، وقد نصب الميزان، وتطايرت الصّحف، واجتمعت الخصوم، وتعلّق كلّ غريم بغريمه، ولاح الحوض وأكوابه عن كثب، وكثر العطاش، وقلّ الوارد، ونصب الجسر للعبور عليه، والنّار تحطم بعضها بعضا تحته والسّاقطون فيها أضعاف أضعاف النّاجين، فينفتح في قلبه عين ترى ذلك، ويقوم بقلبه شاهد من شواهد الآخرة يريه الآخرة ودوامها، والدّنيا وسرعة انقضائها. والبصيرة نور يقذفه الله في القلب يرى به حقيقة ما أخبرت به الرّسل كأنّه يشاهده رأي عين، فيتحقّق مع ذلك انتفاعه بما دعت إليه الرّسل وتضرّره بمخالفتهم. وهذا معنى قول بعض العارفين:

البصيرة تحقّق الانتفاع بالشّيء، والتّضرّر به.

وقال بعضهم: تحقّق البصيرة: ما خلّصك من الحيرة إمّا بإيمان وإمّا بعيان «٢» .

[للاستزادة: انظر صفات: الحذر- الحيطة- الوقاية- الفطنة- الإيمان- الفقه- العلم.

وفي ضد ذلك: انظر صفات: الغفلة- التفريط والإفراط- اتباع الهوى- البلادة والغباء- الإهمال] .

[الآيات الواردة في «اليقظة»]

١- وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً (١٨) «٣»


(١) الكليات (٣١٤) .
(٢) مدارج السالكين (١/ ١٣٨- ١٣٩) ، بصائر ذوي التمييز (٥/ ٣٨٨- ٣٩٠) .
(٣) الكهف: ١٨ مكية.