للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (لقمان/ ١٤) . كما أخبر سبحانه أنّ رضاه في شكره فقال: وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ (الزمر/ ٧) «١» .

[القواعد التي يقوم عليها الشكر:]

قال الفيروز اباديّ- رحمه الله تعالى-: الشّكر أعلى منازل السّالكين، وفوق منزلة الرضا، فإنّه يتضمّن الرّضا وزيادة، والرّضا مندرج في الشّكر، إذ يستحيل وجود الشّكر بدونه، وهو نصف الإيمان ومبناه على خمس قواعد:

(١) خضوع الشّاكر للمشكور.

(٢) وحبّه له.

(٣) واعترافه بنعمته.

(٤) والثّناء عليه بها.

(٥) وألّا يستعملها فيما يكره.

فمتى فقد منها واحدة اختلّت قاعدة من قواعد الشّكر «٢» .

[أنواع الشكر:]

والشّكر على ثلاثة أضرب:

شكر القلب وهو تصوّر النّعمة. وشكر اللّسان. وهو الثّناء على المنعم وشكر سائر الجوارح، وهو مكافأة النّعمة بقدر استحقاقه، وقوله تعالى: اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً (سبأ/ ١٣) معناه اعملوا ما تعملونه شكرا لله. وقيل شكرا مفعول لقوله اعْمَلُوا، وذكر اعملوا ولم يقل اشكروا لينبّه على التزام الأنواع الثّلاثة من الشّكر بالقلب واللّسان وسائر الجوارح وقوله سبحانه اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ (لقمان/ ١٤) - وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (آل عمران/ ١٤٤) - وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ (النمل/ ٤٠) وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ (سبأ/ ١٣) . ففيه تنبيه أنّ توفية شكر الله صعب ولذلك لم يثن بالشّكر من أوليائه إلّا على اثنين، قال في إبراهيم عليه السّلام شاكِراً لِأَنْعُمِهِ (النحل/ ١٢١) وقال في نوح: إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً (الإسراء/ ٣) وإذا وصف الله بالشّكر في نحو قوله: وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (التغابن/ ١٧) إنّما يعني به إنعامه على عباده «٣» .

[العلاقة بين الشكر والصبر:]

قال ابن حجر- رحمه الله تعالى- الشّكر يتضمّن الصّبر على الطّاعة، والصّبر عن المعصية وقال بعض الأئمّة: الصّبر يستلزم الشّكر ولا يتمّ إلّا به، وبالعكس فمتى ذهب أحدهما ذهب الآخر. فمن كان في نعمة ففرضه الشّكر، والصّبر «٤» . أمّا الشّكر فواضح، وأمّا الصّبر فعن المعصية، ومن كان في بليّة ففرضه الصّبر والشّكر، أمّا الصّبر فواضح، وأمّا الشّكر فالقيام بحقّ الله في تلك البليّة، فإنّ لله على العبد عبوديّة في البلاء، كما له عليه عبوديّة في النّعماء «٥» .


(١) عدة الصابرين (١١٨- ١٢١) بتصرف.
(٢) بصائر ذوي التمييز (٣/ ٣٤، ٣٣٤) بتصرف شديد.
(٣) المفردات للراغب (٢٦٥- ٢٦٦) .
(٤) ففرضه الشكر والصبر: أي الواجب عليه الشكر والصبر
(٥) الفتح (١١/ ٣١١) .