يستخرج الله بهذا النوع من الابتلاء من العبد تمام العبودية، بتكميل مقام الذل والانقياد، وأكمل الخلق عبودية أكملهم ذلّا لله وانقيادا وطاعة، والمراد بالذل هنا، ذل المحبة الذي يستخرج من قلب المحب أنواعا من التقرب والتودد والإيثار والرضا والحمد والشكر والصبر والندم، وتحمل العظائم لا يستخرجها الخوف وحده، ولا الرجاء وحده، وهناك ذل آخر هو ذلك المعصية، وبيان ذلك أن العبد متى شهد صلاحه واستقامته شمخ بأنفه وتعاظمت نفسه وظن أنه وأنه، فإذا ابتلى بالذنب تصاغرت إليه نفسه وذل لله وخضع.
ي- سعة حلم الله وكرمه وعفوه:
ومن الحكمة أيضا في ذلك تعريفه سبحانه عبده سعة حاله وكرمه في الستر عليه، وأنه لو شاء لعاجله بالذنب ولهتكه بين عباده فلم يطب له معهم عيش أبدا، ولولا حلمه وكرمه ما استقام أمر، ولفسدت السموات والأرض، ولا سبيل لعبد في النجاة إلا بعفوه ومغفرته وقبول توبته، فالله- عز وجل- هو الذي وفق العبد للتوبة وألهمه إياها، ومن هنا تكون توبة العبد محفوفة بتوبة قبلها عليه من الله إذنا وتوفيقا، وتوبة ثانية منه عليه قبولا ورضا ... (انظر صفات: الحلم، الكرم، العفو) .
ك- الإنابة والمحبة والفرار إلى الله- عز وجل:
رب ذنب قد أهاج لصاحبه من الخوف والإشفاق، والوجل والإنابة، والمحبة والإيثار، والفرار إلى الله، ما لا يهيجه له كثير من الطاعات، وكم من ذنب كان سببا لاستقامة العبد وفراره إلى الله وبعده عن رق الغي، وهو بمنزلة من خلّط فأحس بسوء مزاجه، وعنده أخلاط مزمنة قاتلة وهو لا يشعر بها، فشرب دواء أزال تلك الأخلاط العفنة التي لو دامت لترامت به إلى الفساد والعيب، إن من تبلغ رحمته ولطفه وبره بعبده هذا المبلغ، وما هو أعجب وألطف منه لحقيق بأن يكون الحب كله له والطاعات كلها له، وأن يذكر فلا ينسى، ويطاع فلا يعصى، ويشكر فلا يكفر. (انظر صفات: الإنابة، المحبة، الفرار إلى الله، الإيثار، الذكر، الشكر) .
ل- التواضع والخشية:
ومن ذلك أن العبد إذا شهد ذنوبه ومعاصيه وتفريطه في حق ربه رأى القليل من النعم كثيرا والكثير من عمله قليلا، فيورثه ذلك تواضعا وخشية وإنابة وطمأنينة ورضا، وأين حال هذا من حال من لا يرى لله عليه نعمة إلا ويرى أنه كان يستحق أكثر منها.
[الثاني: إصلاح علاقة العبد بنفسه:]
ويظهر هذا جليا في النقاط التالية:-
أ- تعريف العبد حقيقة نفسه:
ومن حكمة الابتلاء بالذنب أن العبد يعرف حقيقة نفسه، وأنها الظالمة، وأن ما صدر عنها من الشر صدر من أهله، إذا الجهل والظلم منبع الشر كله، وأن كل ما فيها من خير وعلم وهدى وإنابة وتقوى من الله- عز