للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا» «١» .

[إسلام نفر من الجن في وادي نخلة:]

وفي طريق عودته من الطائف، أقام الرسول صلّى الله عليه وسلّم أياما في وادي نخلة القريب من مكة- وخلال فترة إقامته هذه بعث الله إليه نفرا من الجن استمعوا إلى القرآن الكريم، وأسلموا وعادوا إلى قومهم منذرين ومبشرين كما ذكر الله تعالى في كتابه العزيز: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ* قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ* يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ «٢» .

ودخل النبي صلّى الله عليه وسلّم مكة عند عودته من الطائف في جوار المطعم بن عدي، الذي تهيأ هو وبنوه لحماية الرسول صلّى الله عليه وسلّم «٣» ، وذلك ما أشار إليه حسّان بن ثابت عند رثائه مطعم في قصيدته التي مطلعها:

أجرت رسول منهم فأصبحوا ... عبيدك ما لبّى مهلّ وأحرما

فلو سئلت عنه معدّ بأسرها ... وقحطان أو باقي بقيّة جرهما

لقالوا هو الموفي بخفرة جاره ... وذمّته يوما إذا ما تذمما «٤» .

[الإسراء والمعراج:]

لقد كان لفقد الرسول صلّى الله عليه وسلّم لعمه وزوجته، وما قاساه بعدهما من اشتداد أذى قريش وما أسفرت عنه محاولته إلى الطائف من مشاق ونتائج أليمة، ثم ما لقيه من قريش عند عودته إلى مكة من عنت وصلف بدت آثارها على النبي صلّى الله عليه وسلّم وقد رأينا كيف أنه توجه إلى الله تعالى شاكيا همومه ومعاناته، ملتمسا النصر، مجددا العزم على المضي قدما في تحمل مسئوليته في نشر الدعوة، مستهينا بكل الصعاب مادام الله راضيا عنه.

وقعت حادثة الإسراء والمعراج بعد هذه الغمرة من المآسي والأحزان والشدائد المتلاحقة، فكان ذلك تسرية عن نفس النبي صلّى الله عليه وسلّم ومواساة له وتكريما وتثبيتا. وقد وقع ذلك في السنة العاشرة من المبعث، بعد وفاة عمه أبي طالب، وقبل هجرته إلى المدينة بأكثر قليلا من السنة «٥» .


(١) البخاري- الصحيح (فتح الباري ٦/ ٣١٢- ٣١٣) ، مسلم- الصحيح ٣/ ١٤٢٠.
(٢) القرآن الكريم- سورة الأحقاف، الآيات/ ٢٩- ٣١، وانظر البخاري- الصحيح (فتح الباري ١٨/ ٣١٤ حديث ٤٩٢١) ، مسلم- الصحيح ١/ ٣٣١ (حديث ٤٤٩) ، وانظر البيهقي- دلائل (٢٥٥/ ٦- ٢٣٣) ، أبو نعيم- دلائل ٢/ ٣٦٣- ٣٦٦، ابن حجر- فتح الباري ١٨/ ٣١٥، ابن هشام- السيرة ٢/ ٧٣، ابن سعد- الطبقات ١/ ٢١١- ٢١٢، الهيثمي- مجمع الزوائد ٦/ ٣٥.
(٣) ابن هشام- السيرة ٢/ ٢٤، ابن كثير- البداية والنهاية ٣/ ١٥١، وانظر ابن سعد- الطبقات ١/ ٢١٢.
(٤) ابن هشام- السيرة ٢/ ٢٣- ٢٤، وانظر ابن حجر- فتح الباري ١٥/ ١٩٤ وقد حفظ النبي صلّى الله عليه وسلّم لمطعم بن عدي صنيعه هذا وما سبق من صنيعه في نقض صحيفة المقاطعة وأشاد به، انظر البخاري- الصحيح (فتح الباري ١٢/ ٢٢٦- ٢٢٧، حديث ٣١٣٩) ، وأخرجه أبو داود في السنن (٣/ ٦١ حديث ٣٦٨٩) .
(٥) البيهقي- دلائل النبوة ٢/ ٣٥٤، الذهبي- تاريخ الإسلام ١/ ١٤١، ابن كثير- البداية والنهاية ٣/ ١٠٧، وانظر: البخاري- الصحيح (فتح الباري ٣/ ٤٩٢، ٦/ ٣٧٤، ٧/ ١٩٦) ، مسلم- الصحيح ١/ ١٤٨.