للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إن الإسراء والمعراج حادثتان متلازمتان ومترادفتان وهما ثابتتان بنص القرآن الكريم «١» ، والسنة النبوية الصحيحة «٢» . فلقد نص الكتاب العزيز على أن معجزة الإسراء قد تمت ليلا حين تم انتقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم من المسجد الحرام في مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى في القدس الشريف بأرض فلسطين: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ «٣» .

أما المعراج، فهو الانتقال بالرسول صلّى الله عليه وسلّم إلى السماوات، لتصل به إلى سدرة المنتهى وليطلّع بحواسه ودون شك على آيات الله الكبرى، قال الله تعالى: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى * عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى * ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى * لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى «٤» .

ولقد صحت الروايات عن قيام الملك جبريل- عليه السلام- بشق صدر الرسول صلّى الله عليه وسلّم ثانية في هذه المناسبة، وغسله لقلبه صلّى الله عليه وسلّم بماء زمزم، وإفراغه الحكمة والإيمان في صدره «٥» . ففي الصحيحين عن أنس- رضي الله عنه- قال: كان أبو ذر تحدّث أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «فرج سقف بيتي وأنا بمكّة، فنزل جبريل، ففرج صدري، ثمّ غسله بماء زمزم، ثمّ جاء بطست من ذهب ممتليء حكمة وإيمانا فأفرغه في صدري ثمّ أطبقه، ثمّ أخذ بيدي فعرج بي إلى السّماء الدّنيا ... » «٦» مما يؤكد أن هذه العملية قد تمت في ليلة الإسراء وأن ذلك كان إعدادا له لتحمل الرحلة، وهى تظهر في عدم تأثر جسمه صلّى الله عليه وسلّم بشق الصدر وإخراج القلب وغسله، مما يشير إلى تأمينه من جميع المخاطر. إن هذه الأمور الخارقة لقوانين الحياة البشرية والعادة وما جرى التعارف عليه هى أمور وقعت، ويجب التسليم بها وعدم صرفها عن حقيقتها الثابتة، وهي إنفاذ لإرادة الله تعالى وقدرته التي لا يستحيل عليها شيء «٧» .

وبعد الانتهاء من شق الصدر وغسله ولأمه أسري برسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى بيت المقدس، وهو راكب ظهر البراق «٨» . فقد ذكر أنس قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أتيت بالبراق، وهو دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره


(١) القرآن الكريم- سورة الإسراء، الآية/ ١.
(٢) البخاري- الصحيح (فتح ١/ ٤٥٨، ٣/ ٤٩٢، ٦/ ٣٧٤، مسلم- الصحيح ١/ ١٤٨) .
(٣) القرآن الكريم- سورة الإسراء، الآية/ ١.
(٤) القرآن الكريم- سورة النجم، الآيات/ ١٣- ١٨.
(٥) البخاري- الصحيح- كتاب الصلاة، الباب الأول (الفتح ١/ ٤٥٨) ، كتاب الحج، باب ما جاء في زمزم، (الفتح ٣/ ٤٩٢) ، كتاب الأنبياء، الباب الخامس: ذكر إدريس عليه السلام (الفتح ٦/ ٣٧٤) ، مسلم- الصحيح باب الإسراء ١/ ١٤٨.
(٦) البخاري- الصحيح (فتح الباري ١/ ٤٥٨، ٣/ ٤٩٢، ٦/ ٣٧٤) ، مسلم- الصحيح (١/ ١٤٨) ووردت روايات أخرى صحيحة تفيد أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان نائما في الحجر، في المسجد الحرام حين شق صدره وغسل قلبه، ويمكن الجمع بين الروايات بأنه كان في بيته ثم جاء به جبريل- عليه السلام- إلى المسجد الحرام لإتمام الإستعدادات للرحلة ثم الإنطلاق من باب المسجد الحرام، (مسلم الصحيح ١/ ١٥٠) وانظر أيضا: البخاري- الصحيح (فتح الباري ٦/ ٣٠٢، ٧/ ٢١٠، ١٣/ ٤٧٨) .
(٧) البخاري- الصحيح (فتح الباري ٧/ ٢٠٥) .
(٨) البخاري- الصحيح (فتح الباري ٧/ ٢٠١- ٢٠٢) .