للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كلّ منهما، ينفرد النّفاق بإظهار الإيمان وإبطان الكفر (وهو النّفاق العقديّ) ، وينفرد الرّياء بأنّه قد يكون في غير العبادات لطلب جاه، وليس هذا النّوع بحرام إلّا إذا حملته كثرة الجاه على مباشرة ما لا يجوز «١» .

[الفرق بين الرياء والشرك الأكبر:]

قال ابن حجر: يتّضح الفرق بين الرّياء (وهو الشّرك الأصغر) وبين الشّرك الأكبر بمثال هو أنّ المصلّي مراءاة يكون رياؤه سببا باعثا له على العمل، وهو تارة يقصد بعمله تعظيم الله تعالى، وتارة لا يقصد شيئا، وفي كلّ منهما لا يصدر عنه مكفّر، بخلاف الشّرك الأكبر الّذي لا يحدث إلّا إذا قصد تعظيم غير الله تعالى، وعلم بذلك أنّ المرائي إنّما حدث له هذا النّوع من الشّرك بتعظيمه قدر المخلوق عنده حتّى حمله ذلك على الرّكوع والسّجود، فكأنّ المخلوق هو المعظّم بالسّجود من وجه، وذلك غاية الجهل «٢» .

[أقسام الرياء:]

ذكر الغزاليّ: أنّ الرّياء بحسب ما يراءى به خمسة أقسام:

الأوّل: الرّياء في الدّين بالبدن، وذلك بإظهار النّحول والصّفار ليوهم بذلك شدّة الاجتهاد، وعظم الحزن على أمر الدّين وغلبة خوف الآخرة.

أمّا رياء أهل الدّنيا فيكون بإظهار السّمن وصفاء اللّون واعتدال القامة، وحسن الوجه ونظافة البدن وقوّة الأعضاء.

الثّاني: الرّياء بالهيئة والزّيّ، وذلك بتشعيث شعر الرّأس، وإبقاء أثر السّجود على الوجه، وغلظ الثّياب وتقصير الأكمام وترك تنظيف الثّوب وتركه مخرّقا، كلّ ذلك لإظهار أنّه متّبع للسّنّة.

أمّا مراءاة أهل الدّنيا فبالثّياب النّفيسة، والمراكب الرّفيعة وأنواع التّوسّع والتّجمّل في الملبس والمسكن.

الثّالث: الرّياء بالقول، ويكون من أهل الدّين بالوعظ والتّذكير والنّطق بالحكمة وحفظ الأخبار والآثار لإظهار غزارة العلم، ومن ذلك تحريك الشّفتين بالذّكر في محضر النّاس، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر أمامهم.

وأمّا أهل الدّنيا فيكون رياؤهم بحفظ الأشعار والأمثال، والتّفاصح بالعبارات، وحفظ الغريب من النّحو واللّغة للإغراب على أهل الفضل.

الرّابع: الرّياء بالعمل، وذلك كمراءاة المصلّي بطول القيام والرّكوع والسّجود ونحو ذلك.

أمّا أهل الدّنيا فمراءاتهم بالتّبختر والاختيال وغيرهما ممّا يدلّ على الجاه والحشمة.

الخامس: المراءاة بالأصحاب والزّائرين، كأن يطلب المرائي من عالم أن يزوره ليقال: إنّ فلانا قد زار فلانا، ومن ذلك كثرة ذكر الشّيوخ.

قال الغزاليّ: فهذه الخمسة هي مجامع ما يرائي


(١) إحياء علوم الدين ٣/ ٢٩٩، والزواجر ١/ ٤٥.
(٢) باختصار وتصرف عن الزواجر لابن حجر ١/ ٤٤.