للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخوف «١» ، والأرجح ما ذكره الرّاغب من أنّ الفزع ناتج عن الخوف (الشّديد) وليس مساويا له «٢» ، أمّا الهلع فهو أشدّ الجزع والضّجر «٣» ، وهذه الأمور الأربعة وإن كانت متقاربة في معناها العام، إلّا أنّها مختلفة في الدّرجة والكيفيّة، فأوّل ذلك الخوف، فإن زاد وصاحبه اضطراب وانقباض صار فزعا، فإذا زاد الفزع وأقعد صاحبه عن العمل وأورثه حزنا، أصبح جزعا، فإن زاد الجزع صار هلعا.

[الفرق بين الجزع ورقة القلب:]

والفرق بين رقّة القلب والجزع أنّ الجزع ضعف في النّفس وخوف في القلب يمدّه شدّة الطّمع والحرص ويتولّد من ضعف الإيمان بالقدر وإلّا فمتى علم أنّ المقدّر كائن ولا بدّ كان الجزع عناء محضا ومصيبة ثانية.

أمّا رقّة القلب فإنّها من الرّحمة وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أرقّ النّاس قلبا وأبعدهم من الجزع، فرقّة القلب رأفة ورحمة، وجزعه مرض وضعف، فالجزع حال قلب مريض بالدّنيا قد غشيه دخان النّفس الأمّارة فأخذ بأنفاسه وضيّق عليه مسالك الآخرة وصار في سجن الهوى والنّفس وهو سجن ضيّق الأرجاء مظلم المسلك فانحصار القلب وضيقه يجعله يجزع من أدنى ما يصيبه ولا يحتمله فإذا أشرق فيه نور الإيمان واليقين بالوعد وامتلأ من محبّة الله وإجلاله رقّ وصارت فيه الرّأفة والرّحمة فتراه رحيما رفيق القلب بكلّ ذي قربى ومسلم يرحم النّملة في جحرها والطّير في وكره فضلا عن بنيي جنسه فهذا أقرب القلوب من الله تعالى «٤» .

[علاج الجزع والهلع:]

لقد أوضح القرآن الكريم علاج هذه الأمور القلبيّة في قوله سبحانه إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً إِلَّا الْمُصَلِّينَ فأوضح بجلاء لا ريب فيه أنّ الصلاة تقي صاحبها هذه المشاعر القلبيّة، يقول ابن بطّال: المراد من الآيات الكريمة إثبات خلق الله تعالى للإنسان بأخلاقه من الهلع والصّبر، والمنع والإعطاء، وقد استثنى الله المصلّين الّذين هم على صلاتهم دائمون، لا يضجرون بتكرّرها عليهم «٥» .

وفي السّنّة المطهّرة ما يفيد تأثير الصّلاة في راحة القلب بها، ويدلّ على ذلك، قوله صلّى الله عليه وسلّم «يا بلال أقم الصّلاة أرحنا بها» . وكان صلّى الله عليه وسلّم إذا حزبه أمر فزع إلى الصّلاة «٦» .

وأمّا ذكر الله عزّ وجلّ، قال تعالى أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ «٧» .

وإضافة إلى الصّلاة والذّكر، فإنّ الرّضا بقضاء الله- عزّ وجلّ- والتّذرّع بالصّبر الجميل ممّا يساعد على التّخلّص من هذه الأمور ونحوها «٨» .

[للاستزادة: انظر صفات: اليأس- الحزن- الضعف- القنوط- الوهن- القلق- الشك- صغر الهمة- السخط.

وفي ضد ذلك: انظر صفات: الصبر والمصابرة- الاحتساب- التفاؤل- علو الهمة- قوة الإرادة- الرضا- اليقين] .


(١) انظر الكليات للكفوي ٣/ ٣٥٨.
(٢) واستعمالهم الفزع في معنى الخوف إنما هو تسامح في العبارة.
(٣) النهاية لابن الأثير ٥/ ٢٦٩.
(٤) الروح لابن القيم، ص ٢٢٦.
(٥) فتح الباري ١٣/ ٥٢٠.
(٦) انظر الحديث رقم (١٨) في صفة الصلاة
(٧) انظر فوائد الذكر.
(٨) انظر فوائد الرضا والصبر.