للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سرية ذات السلاسل:]

بلغ النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد عودة سرية مؤتة إلى المدينة في جمادى الآخرة سنة ثمان للهجرة «١» ، أن قضاعة التي اشتركت في القتال إلى جانب الروم في مؤتة بدأت تتجمع مرة أخرى، وتريد الاقتراب من المدينة لتهديدها، فجهز النبي صلّى الله عليه وسلّم سرية من ثلاثمائة من المهاجرين والأنصار عهد بأمرها إلى عمرو بن العاص بهدف أن يقضي على خطر قضاعة في مهده. وأمره أن يستعين ببعض فروع قضاعة وخاصة من أخواله من بلي، إلى جانب عذرة وبلقين ومحاولة استئلافهم. وقد تقدمت السرية حتى وصلت ماء السلسل بأرض جذام، فبلغ عمرو بن العاص ضخامة الجموع التي جمعتها قضاعة لمواجهتهم فسارع بإرسال رافع بن مكيث الجهني إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم يستمده، فأمده بمائتين من المهاجرين والأنصار بينهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب- رضي الله عنهما- جعل عليهم أبا عبيدة بن الجراح. وطلب إلى عمرو بن العاص وأبي عبيدة بن الجراح أن يتطاوعا «٢» .

توغلت السرية في بلاد قضاعة التي بلغها الخبر فهربت جموعها وتفرقت «٣» ، وقد مكنت حملة هذه السرية الناجحة المسلمين من استعادة هيبتهم في التخوم الشمالية للجزيرة بعد أن كانت قد تزعزعت في أعقاب سرية مؤتة «٤» .

وفي أعقاب سرية ذات السلاسل، تحدثت المصادر التي تعنى بالسيرة والتاريخ عن سريتين أخريين قبل فتح مكة، أولهما سرية ابن حدرد إلى الغابة حيث كان رفاعة بن قيس قد جمّع الجموع فيها يريد أن يقاتل الرسول صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين، فدعا النبي صلّى الله عليه وسلّم عبد الله بن حدرد الأسلمي ورجلين من المسلمين ليخرجوا إليه، وقد أمكنهم الله منه فهرب قومه عنه، واستاقت السريّة الكثير من السبي والغنائم التي عادوا بها إلى


(١) ابن سعد- الطبقات ٢/ ١٣٢ بدون اسناد.
(٢) أحمد- المسند: الفتح الرباني ٢١/ ١٤٠ بإسناد صحيح، وانظر البخاري- الصحيح (فتح الباري كتاب الفضائل، حديث ٢٣٨٤) بدون التفاصيل، الواقدي- مغازي ٢/ ٧٦٩- ٧٧١، وابن سعد- الطبقات ٢/ ١٣١) .
(٣) ابن سعد- الطبقات ٢/ ١٣١.
(٤) أورد أبو داود في السنن (كتاب الطهارة- باب: إذا خاف البرد تيمم رقم/ ٣٤٤- ٣٣٥) خبر احتلام عمرو بن العاص في ليلة باردة في طريق العودة من هذه السرية وتيممه وعدم اغتساله للجنابة، وشكوى المسلمين ذلك إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد عودتهم، وبيان عمرو دوافعه في ذلك وأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أعجبه ذلك: وانظر البيهقي- دلائل ٤/ ٤٠٢، السنن ١/ ٢٢٥- ٦، ابن القيم- زاد المعاد ٣/ ٣٨٨، وقال عنه: «وسنده قوي» . وعلقه البخاري في الصحيح ١/ ٣٨٥، ونقل الهيثمي في الموارد ص/ ٢٠٢ أن الحافظ ابن حجر وابن حبان قد صححاه، وكذلك فعل الحاكم- المستدرك ١/ ١٧٧، وأحمد- المسند ٤/ ٢٠٣، وانظر ابن كثير- التفسير ٢/ ٢٣٥.