للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن الأثير: الرّشوة (بالكسر والضّمّ) :

الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة، قال: وأمّا ما يعطى توصّلا إلى أخذ حقّ أو دفع ظلم فغير داخل في الرّشوة «١» .

وقد استنبط بعض الباحثين ممّا ذكره الفقهاء تعريفا جامعا للرّشوة فقال: هي ما يؤخذ (من جعل) عمّا وجب على الشّخص فعله، سواء أكان واجبا على العين، كالقاضي أو على الكفاية، كما في شخص يقدر على دفع الظّلم أو استخلاص حقّ من يد ظالم.

وسواء أكان الوجوب شرعيّا كما في وليّ المرأة لا يزوّجها إلّا بالرّشوة، أو شاعر يخاف منه الهجو، لأنّ الكفّ عن عرض المسلم واجب شرعا، أو كان الوجوب عرفيّا (عن طريق العقد) ، كمن آجر نفسه لإقامة أمر من الأمور المتعلّقة بالمسلمين كأعوان القاضي أو أعضاء النّيابة وأهل الدّيوان من الموظّفين «٢» .

أنواع الرّشوة وحكم كل نوع:

قال التّهانويّ: الرّشوة على أربعة أوجه:

الأوّل: رشوة محرّمة من الجانبين (الرّاشي والمرتشي) ، ولها صورتان: الأولى: تقلّد القضاء بحيث لا يصير (القاضي) قاضيا بدونها. والثّانية: دفع الرّشوة إلى القاضي ليقضي له، سواء كان القضاء بحقّ أو بغير حقّ.

الثّاني: دفع الرّشوة خوفا على النّفس أو المال، وهذه حرام على الآخذ غير حرام على الدّافع، وكذا إذا طمع ظالم في ماله فرشاه ببعض المال، ومن هذا النّوع ما يدفعه شخص إلى شاعر، قلت (أو صحفيّ) خوفا من الهجاء أو الذّمّ.

الثّالث: الرّشوة تدفع للحاكم ليسوّي أمرا من الأمور، بحيث يشترط عليه ذلك وهذه حلال للدّافع حرام للآخذ، فإن طلب منه أن يسوّي أمره ولم يذكر له الرّشوة ثمّ أعطاه بعد ذلك شيئا، اختلف فيه العلماء، فقال بعضهم: لا يحلّ له، وقال بعضهم: يحلّ، قلت:

وعلى فرض أنّه حلال عند بعضهم فإنّه من الشّبهات الّتي ينبغي أن يتّقيها المسلم الّذي يستبرأ لدينه.

الرّابع: وهو ما أشبه الرّشوة وليس بها، وهو ما كان الدّفع فيه على سبيل التّودّد والتّحبّب، وهذا حلال للجانبين «٣» .

استرداد الرّشوة:

الرّشوة مال حرام على آخذه، يلزمه ردّه، من ذلك على سبيل المثال ما يدفعه الرّجل إلى وليّ أمر المرأة ليزوّجها إيّاه فإن دفع له وزوّجه إيّاها فإنّ للزّوج أن يستردّ ما دفعه حتّى ولو مات الوليّ لأنّه رشوة.

ولو مات المرتشي وعلم الوارث أنّ ما تركه من الرّشوة، فإنّه لا يحلّ له أخذه، وإن لم يعلم عين الرّشوة فإنّ له الأخذ حكما، ويتصدّق به بنيّة الخصماء، وإن


(١) النهاية لابن الأثير (٢/ ٢٦٦) .
(٢) بتلخيص وتصرف عن كشاف اصطلاحات الفنون (٣/ ٨٨) .
(٣) كشاف اصطلاحات الفنون ٣/ ٦٨، قلت وعد النوع الأخير من الرشوة إنّما هو تسامح في العبارة، وإلّا فإنه لا ينطبق عليه تعريفها ولا حكمها.