للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال المناويّ: الغيظ: أشدّ الغضب، وهو الحرارة الّتي يجدها الإنسان من ثوران دم قلبه، وقيل:

هو الغضب المحيط بالكبد، وهو أشدّ الحنق «١» .

[كظم الغيظ اصطلاحا:]

لقد ذكرت كتب الاصطلاح كلّا من الغيظ والكظم على حدة، وقد تكفّل المفسّرون ببيان المراد من ذلك، فقال الطّبريّ:

الكاظمين الغيظ: يعني الجارعين الغيظ عند امتلاء نفوسهم منه، يقال: كظم فلان غيظه: إذا تجرّعه فحفظ نفسه أن تمضي ما هي قادرة على إمضائه باستمكانها ممّن غاظها وانتصارها ممّن ظلمها «٢» .

وقال النّيسابوريّ: كظم غيظه: يعني: سكت عليه ولم يظهره لا بقول ولا بفعل، كأنّه كتمه على امتلائه وردّه في جوفه، وكفّ غضبه (الشّديد) عن الإمضاء، وهذا قسم من أقسام الصّبر والحلم «٣» .

وقال القرطبيّ: كظم الغيظ: ردّه في الجوف، والسّكوت عليه وعدم إظهاره مع قدرة الكاظم على الإيقاع بعدوّه «٤» .

وقال ابن عطيّة: كظم الغيظ: ردّه في الجوف إذا كاد أن يخرج من كثرته فضبطه ومنعه «٥» .

[الفرق بين الغيظ والغضب:]

قال القاضي أبو محمّد عبد الحقّ بن غالب بن عطيّة الأندلسيّ (صاحب التّفسير المشهور) : الغيظ أصل الغضب، وكثيرا ما يتلازمان، ولذلك فسّر بعض النّاس الغيظ بالغضب قال: وليس تحرير الأمر كذلك. بل الغيظ فعل النّفس لا يظهر على الجوارح، والغضب حال لها معه ظهور في الجوارح وفعل ما لا بدّ، ولهذا جاز إسناد الغضب إلى الله تعالى، إذ هو عبارة عن أفعاله في المغضوب عليهم. ولا يسند إليه تعالى غيظ. والكظم من أعظم العبادة وجهاد النّفس.

وقال الكفوىّ: الغضب إرادة الإضرار بالمغضوب عليه، والغيظ تغيّر يلحق المغتاظ، ولهذا لا يوصف الله تعالى بالغيظ.

وقال القرطبيّ: الغيظ أصل الغضب وكثيرا ما يتلازمان، لكن فرقان ما بينهما، أنّ الغيظ لا يظهر على الجوارح بخلاف الغضب فإنّه يظهر في الجوارح، مع فعل ما ولا بدّ، ولهذا جاء إسناد الغضب إلى الله تعالى «٦» .

[للاستزادة: انظر صفات: الحلم- الرفق- الصفح- العفو- اللين- قوة الإرادة- العزم والعزيمة- الرجولة- مجاهدة النفس- الصمت وحفظ اللسان.

وفي ضد ذلك: انظر صفات: الغضب- الحمق العنف- الطيش- البذاءة- الانتقام- العجلة- السفاهة] .


(١) التوقيف على مهمات التعاريف (٢٨٢) ، وفي المفردات للراغب (٣٦٩) «الغيظ: أشد غضب وهو الحرارة التي يجدها الإنسان من فوران دم قلبه»
(٢) تفسير الطبري (٤/ ٦١) .
(٣) تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان (٤/ ٧٥) (منشور بهامش الطبري) .
(٤) الجامع لأحكام القرآن (٤/ ١٣٣) .
(٥) المحرر الوجيز (٣/ ٢٣٣) .
(٦) المرجع السابق نفسه، والكليات للكفوي (٦٧١) ، والجامع لأحكام القرآن (٤/ ١٣٣) .