للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قياس نظر، ولا عكس، والنّظير المثل، والجمع نظراء، وأصله المناظر، كأنّ كلّ واحد منهما ينظر إلى صاحبه فيباريه، والمناظرة المباحثة والمباراة في النّظر، واستحضار كلّ ما يراه (المناظر) ببصيرته «١» .

التّبصّر لغة:

التّبصّر في اللّغة مصدر قولهم: تبصّر الشّيء إذا نظر إليه هل يعرفه؟ وهو مأخوذ من مادّة (ب ص ر) الّتي تدلّ على العلم بالشّيء «٢» ، ومعناه: التّأمّل والتّعرّف، أمّا التّبصير فهو التّعريف والإيضاح، يقال: بصّره بالأمر تبصيرا وتبصرة فهّمه إيّاه، أمّا البصر فهو اسم لحاسّة الإبصار، أي الرّؤية «٣» والبصيرة:

عقيدة القلب، وقيل هي اسم لما اعتقد في القلب من الدّين وتحقيق الأمر، وقيل: هي الفطنة، وقيل: هي الثّبات في الدّين، وقولهم: فعل ذلك علي بصيرة أي على عمد، وعلى غير بصيرة أي على غير يقين ويقال:

تبصّر في رأيه واستبصر: تبيّن ما يأتيه من خير وشرّ، أمّا قولهم: استبصر في أمره ودينه، فمعناه: كان ذا بصيرة، أمّا قوله سبحانه (في عاد وثمود) وَكانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (العنكبوت/ ٣٨) فمعناه: أنّهم أتوا ما أتوه وقد تبيّن لهم أنّ عاقبته عذابهم «٤» .

وقال القرطبيّ: في ذلك قولان (آخران) أحدهما: كانوا مستبصرين في الضّلالة «٥» ، والآخر:

كانوا مستبصرين قد عرفوا الحقّ من الباطل بظهور البراهين، وهذا القول أشبه، لأنّه إنّما يقال: فلان مستبصر إذا عرف الشّيء على الحقيقة، قال الفرّاء:

كانوا عقلاء ذوي بصائر فلم تنفعهم بصائرهم «٦» .

وقال الفيروزاباديّ: البصيرة هي قوّة القلب المدركة، ويقال لها بصر أيضا، ولا يكاد يقال للجارحة النّاظرة بصيرة، إنّما هي بصر، وقول الله عزّ وجلّ أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ (يوسف/ ١٠٨) فالمعنى:

على معرفة وتحقّق، أمّا قوله سبحانه: بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ

فالمعنى عليه من جوارحه بصيرة تبصره وتشهد عليه يوم القيامة، وقيل جعله على نفسه بصيرة كما يقال: فلان جود لأنّ الإنسان ببديهة عقله يعلم أنّ ما يقرّبه إلى الله هو السّعادة، وما يبعده عن طاعته هو الشّقاوة، وقيل الهاء (أي التّاء) في بصيرة للمبالغة، (والمعنى أنّ الإنسان بصير على نفسه بدرجة تشرف على الغاية) «٧» ، وقال القرطبيّ: جاء تأنيث البصيرة لأنّ المراد بالإنسان هنا الجوارح لأنّها شاهدة على نفس الإنسان، فكأنّه قال: بل الجوارح على نفس


(١) بتصرف يسير عن: بصائر ذوي التمييز ٥/ ٨٢- ٨٤، ومقاييس اللغة لابن فارس ١/ ٢٥٣
(٢) انظر في مدلول لفظ «البصر» ما ذكرناه عن أئمة اللغة في صفة «غض البصر» .
(٣) لسان العرب ٤/ ٦٥ (ط. بيروت) .
(٤) نقل القرطبي هذا القول عن مجاهد، تفسير القرطبي ١٣/ ٣٤٤
(٥) السابق، الصفحة نفسها.
(٦) بصائر ذوي التميير ٢/ ٢٢٣
(٧) تفسير القرطبي ١٩/ ١٠٠، وقد ذكر آراء أخرى في تفسير الآية الكريمة عن بعض التابعين سنذكرها في قسم الآثار.