وعقله. فهذا يفتح له من المسموع بحسب استعداده وقوّته ومادّته.
ومنهم: من يسمع بالله، لا يسمع بغيره. كما في الحديث الإلهيّ الصّحيح «فبي يسمع، وبي يبصر» وهذا أعلى سماعا، وأصحّ من كلّ أحد.
والكلام في «السّماع» - مدحا وذمّا- يحتاج فيه إلى معرفة صورة المسموع، وحقيقته وسببه، والباعث عليه، وثمرته وغايته. فبهذه الفصول الثّلاثة يتحرّر أمر «السّماع» ويتميّز النّافع منه والضّارّ، والحقّ والباطل، والممدوح والمذموم.
[أنواع المسموع:]
فأمّا «المسموع» فعلى ثلاثة أضرب:
أحدها: مسموع يحبّه الله ويرضاه. وأمر به عباده. وأثنى على أهله. ورضي عنهم به.
الثّاني: مسموع يبغضه ويكرهه. ونهى عنه.
ومدح المعرضين عنه.
الثّالث: مسموع مباح مأذون فيه. لا يحبّه ولا يبغضه. ولا مدح صاحبه ولا ذمّه. فحكمه حكم سائر المباحات: من المناظر، والمشامّ، والمطعومات، والملبوسات المباحة. فمن حرّم هذا النّوع الثّالث فقد قال على الله ما لا يعلم. وحرّم ما أحلّ الله. ومن جعله دينا وقربة يتقرّب به إلى الله، فقد كذب على الله، وشرع دينا لم يأذن به الله. وضاهأ بذلك المشركين.
السّماع المرضيّ:
إنّ السّماع المرضيّ أي ذلك الّذي مدحه الله في كتابه. وأمر به وأثنى على أصحابه، وذمّ المعرضين عنه ولعنهم. وجعلهم أضلّ من الأنعام سبيلا. وهم القائلون في النّار وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ (الملك/ ١٠) . وهو سماع آياته المتلوّة الّتي أنزلها على رسوله. فهذا السّماع أساس الإيمان الّذي يقوم عليه بناؤه. وهو على ثلاثة أنواع:
سماع إدراك بحاسّة الأذن. وسماع فهم وعقل. وسماع فهم وإجابة وقبول. والثّلاثة في القرآن.
فأمّا سماع الإدراك: ففي قوله تعالى حكاية عن مؤمني الجنّ إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً* يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ (الجن/ ١- ٢) . وقوله يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى (الأحقاف/ ٣٠) الآية. فهذا سماع إدراك اتّصل به الإيمان والإجابة.
وأمّا سماع الفهم: فهو المنفيّ عن أهل الإعراض والغفلة. بقوله تعالى فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ (الروم/ ٥٢) ، وقوله إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (فاطر/ ٢٢) .
فالتّخصيص هاهنا لإسماع الفهم والعقل. وإلّا فالسّمع العامّ الّذي قامت به الحجّة: لا تخصيص فيه.
ومنه قوله تعالى وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (الأنفال/ ٢٣) . أي لو علم الله في هؤلاء الكفّار قبولا وانقيادا لأفهمهم، وإلّا فهم قد سمعوا سمع الإدراك وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ أي ولو أفهمهم لما انقادوا ولا انتفعوا بما فهموا؛ لأنّ في قلوبهم من داعي التّولّي والإعراض ما يمنعهم عن الانتفاع بما سمعوه.