للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من أصحابه: كنّا نحن أحقّ بهذا من هؤلاء. فبلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: ألا تأمنوني وأنا أمين من في السّماء، يأتيني خبر السّماء صباحا ومساء؟» قال: فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين «١» ، ناشز الجبهة «٢» كثّ اللّحية، محلوق الرّأس، مشمّر الإزار. فقال: يا رسول الله اتّق الله! قال: «ويلك: أولست أحقّ أهل الأرض أن يتّقي الله؟» قال: ثمّ ولّى الرّجل. قال خالد بن الوليد: يا رسول الله ألا أضرب عنقه؟ قال: «لا؛ لعلّه أن يكون يصلّي» . فقال خالد: وكم من مصلّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّي لم أومر أن أنقّب قلوب النّاس «٣» ولا أشقّ بطونهم» . قال: ثمّ نظر إليه وهو مقفّ «٤» فقال: «إنّه يخرج من ضئضىء «٥» هذا قوم يتلون كتاب الله رطبا لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرّميّة» . وأظنّه قال: «لئن أدركتهم لأقتلنّهم قتل ثمود «٦» » ) * «٧» .

٣٠-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:

كان على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثوبان قطريّان غليظان. فكان إذا قعد فعرق، ثقلا عليه، فقدم بزّ «٨» من الشّام لفلان اليهوديّ. فقلت: لو بعثت إليه فاشتريت منه ثوبين إلى الميسرة. فأرسل إليه فقال: قد علمت ما يريد. إنّما يريد أن يذهب بمالي أو بدراهمي. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كذب. قد علم أنّي من أتقاهم لله وآداهم للأمانة» ) * «٩» .

[من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الأمانة)]

١-* (عن زيد بن ثابت قال: بعث إليّ أبو بكر لمقتل أهل اليمامة، وعنده عمر. فقال أبو بكر:

إنّ عمر أتاني، فقال: إنّ القتل استحرّ «١٠» يوم القيامة بقرّاء القرآن، وإنّي أخشى أن يستحرّ القتل بقرّاء القرآن في المواطن كلّها فيذهب قرآن كثير، وإنّي أرى أن تأمر بجمع القرآن. قلت: كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال عمر: هو والله خير. فلم يزل عمر يراجعني في ذلك حتّى شرح الله صدري للّذي شرح له صدر عمر، ورأيت في ذلك الّذي رأى عمر. قال زيد: قال أبو بكر: وإنّك رجل شابّ عاقل


(١) مشرف الوجنتين: أي غليظهما. والوجنتان تثنية وجنة وهي ما ارتفع من لحم الخد.
(٢) ناشز الجبهة: أي مرتفعها.
(٣) لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس: أي أفتش وأكشف.
(٤) وهو مقفّ: أي ذهب موليا وكأنه من القفا أي أعطاه قفاه وظهره.
(٥) ضئضىء هذا: هو أصل الشيء. وهو بالمعجمتين والمهملتين.
(٦) قتل ثمود: يعني الاستئصال.
(٧) البخاري- الفتح ٧ (٤٣٥١) واللفظ له، مسلم (١٠٦٤) .
(٨) البزّ: الثياب وقيل: ضرب من الثياب. لسان العرب «بزز» .
(٩) الترمذي ٣ (١٢١٣) وقال: حديث حسن غريب صحيح، والنسائي ٧/ ٢٩٤) ، البيوع: باب البيع إلى أجل معلوم، وقال محقق «جامع الأصول» (١٠/ ٦٦٠) : إسناده صحيح.
(١٠) استحر: اشتد وحمى.