للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصّور المحرّمة. ومن أندر النّادر تغزّل الشّاعر وتشبيبه في امرأته، وأمته وأمّ ولده، مع أنّ هذا واقع لكنّه كالشّعرة البيضاء في جلد الثّور الأسود. فكيف يقع لمن له أدنى بصيرة وحياة قلب أن يتقرّب إلى الله، ويزداد إيمانا وقربا منه وكرامة عليه، بالتذاذه بما هو بغيض إليه، مقيت عنده، يمقت قائله والرّاضي به؟ وتترقّى به الحال حتّى زعم أنّ ذلك أنفع لقلبه من سماع القرآن والعلم النّافع. وسنّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم؟!. يا لله! إنّ هذا القلب مخسوف به، ممكور به منكوس. لم يصلح لحقائق القرآن وأذواق معانيه، ومطالعة أسراره. فبلاه بقرآن الشّيطان، كما في معجم الطّبرانيّ وغيره- مرفوعا وموقوفا- «إنّ الشّيطان قال: يا ربّ، اجعل لي كتابا. قال: كتابك الوشم. قال: اجعل لي مؤذّنا. قال:

مؤذّنك المزمار. قال: اجعل لي بيتا. قال: بيتك الحمّام.

قال: اجعل لي مصائد. قال: مصائدك النّساء. قال اجعل لي طعاما. قال: طعامك ما لم يذكر عليه اسمي» .

[السماع المنهي عنه:]

وهو ما يبغضه الله ويكرهه، ويمدح المعرض عنه فهو سماع كلّ ما يضرّ العبد في قلبه ودينه كسماع الباطل كلّه، إلّا إذا تضمّن ردّه وإبطاله والاعتبار به وقصد أن يعلم به حسن ضدّه، وكسماع اللّغو الّذي مدح التّاركين لسماعه والمعرضين عنه بقوله سبحانه: وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ (القصص/ ٥٥) ، وقوله عزّ وجلّ: وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً (الفرقان/ ٧٢) ، قال محمّد بن الحنفيّة: هو الغناء (ومعنى مرّوا كراما) كما قال الحسن أو غيره:

أكرموا نفوسهم عن سماعه، وقال ابن مسعود- رضي الله عنه-: الغناء ينبت النّفاق في القلب كما ينبت الماء البقل «١» .

[السماع المباح:]

لم يتحدّث ابن القيّم عن أمثلة هذا النّوع وقد فصّل الإمام الغزاليّ أنواعه، وذكر منها: غناء الحجيج لأشعار تصف الكعبة والمقام وزمزم وسائر المشاعر لما في ذلك من تهييج الشّوق إلى حجّ بيت الله تعالى، ومنها ما يعتاده النّاس لتحريض النّاس على الغزو، ومنها: السّماع في أوقات السّرور تأكيدا للسّرور وتهييجا له إن كان ذلك السّرور مباحا «٢» .

[للاستزادة: انظر صفات: التأمل- التدبر- التفكر- تلاوة القرآن- الذكر.

وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- الغفلة- اللهو واللعب] .


(١) مدارج السالكين: (١/ ٥١٧- ٥٢٣) بتصرف.
(٢) بتصرف واختصار عن الغزالي، انظر إحياء علوم الدين ٢/ ٢٧٧ ٢٧٩.