للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفرق بين الفتنة والابتلاء والاختبار:]

قال أبو هلال: الفرق بين الفتنة والاختبار:

هو أنّ الفتنة أشدّ الاختبار وأبلغه وأصله عرض الذّهب على النّار لتبيّن صلاحه من فساده ومنه قوله تعالى: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (الذاريات/ ١٣) ويكون في الخير والشّرّ ألا تسمع قوله تعالى:

َّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ

(التغابن/ ١٥) وقال تعالى: لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً* لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ (الجن/ ١٦- ١٧) فجعل النّعمة فتنة لأنّه قصد بها المبالغة في اختبار المنعم عليه بها كالذّهب إذا أريد المبالغة في تعرّف حاله أدخل النّار، والله تعالى لا يختبر العبد لتغيير حاله في الخير والشّرّ وإنّما المراد بذلك شدّة التّكليف.

أمّا الفرق بين الاختبار والابتلاء: فهو أنّ الابتلاء لا يكون إلّا بتحميل المكاره والمشاقّ.

والاختبار يكون بذلك وبفعل المحبوب ألا ترى أنّه يقال اختبره بالإنعام عليه ولا تقول ابتلاه بذلك ولا هو مبتلى بالنّعمة كما قد يقال إنّه مختبر بها ويجوز أن يقال: إنّ الابتلاء يقتضي استخراج ما عند المبتلى من الطّاعة والمعصية، والاختبار يقتضي وقوع الخبر بحاله في ذلك، والخبر العلم الّذي يقع بكنه الشّيء وحقيقته فالفرق بينهما بيّن «١» .

[الفتنة تكون من الله ومن الإنسان:]

قال الرّاغب: الفتنة من الأفعال الّتي تكون من الله تعالى ومن العبد كالبليّة والمصيبة والقتل والعذاب، وغير ذلك من الأفعال الكريهة ومتى كان ذلك من الله يكون على وجه الحكمة، ومتى كان من الإنسان بغير أمر الله يكون بضدّ ذلك، ولهذا يذمّ الله الإنسان بأنواع الفتنة في كلّ مكان كما في قوله تعالى: وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ (البقرة/ ١٩١) ، وقوله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ (البروج/ ١٠) ، وقوله تعالى: ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ (الصافات/ ١٦٢) أي بمصلّين «٢» .

[لفظ الفتنة في القرآن الكريم:]

قال يحيى بن سلّام: تفسير الفتنة في القرآن الكريم على أحد عشر وجها:

الأوّل: الفتنة تعني الشّرك، كما في قوله تعالى:

وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ (البقرة/ ١٩٣) .

الثّاني: الفتنة تعني الكفر كما في قوله تعالى:

ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ (آل عمران/ ٧) .

الثّالث: الفتنة بمعنى الابتلاء كما في قوله تعالى: الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (العنكبوت/ ١- ٢) .

الرّابع: الفتنة بمعنى العذاب في الدّنيا وذلك في قوله تعالى: فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ (العنكبوت/ ١٠) .

الخامس: الفتنة تعني الحرق بالنّار وذلك في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ (البروج/ ١٠) .


(١) الفروق في اللغة لأبي هلال العسكري (٢١٠، ٢١١) .
(٢) المفردات (٣٧٢) .