للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معنى الإيمان باعتبار عرف الشّرع اختلف فيه أهل القبلة على أربع فرق:

الأولى: الإيمان فعل القلب فقط أي تصديق الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في كلّ ما علم مجيئه به بالضّرورة تصديقا جازما مطلقا.

الثّانية: الإيمان عمل (إقرار) باللّسان فقط بشرط حصول المعرفة بالقلب، فإن لم تحصل كان صاحب ذلك مؤمن الظّاهر كافر السّريرة.

الثّالثة: الإيمان عمل القلب واللّسان أي الاعتقاد الجازم والإقرار بالشّهادتين، وقد نسب هذا إلى أبي حنيفة وعامّة الفقهاء وبعض المتكلّمين.

الرّابعة: الإيمان فعل القلب واللّسان وسائر الجوارح، وقد نسب القول بذلك إلى أصحاب الحديث ومالك والشّافعيّ والأوزاعيّ، ولأصحاب الحديث بعد ذلك أقوال ثلاثة:

الأوّل: المعرفة إيمان كامل وهي الأصل ثمّ بعد ذلك كلّ طاعة إيمان على حدة، وكذلك الجحود وإنكار القلب كفر، ثمّ بعد ذلك كلّ معصية كفر على حدة.

الثّاني: الإيمان اسم للطّاعات كلّها، فرائضها ونوافلها وهي بجملتها إيمان واحد، وترك الفرائض وحده هو الّذي ينقص الإيمان بخلاف النّوافل.

الثّالث: الإيمان اسم للفرائض دون النّوافل «١» .

وقد اقتصر الجرجانيّ على رأي الطّائفة الثّالثة عند ما عرّف الإيمان بأنّه: الاعتقاد بالقلب والإقرار باللّسان. قيل فيمن شهد (أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله) وعمل ولم يعتقد فهو منافق ومن شهد ولم يعمل واعتقد فهو فاسق، ومن أخلّ بالشّهادة فهو كافر «٢» . وذكر بعضهم رأي الطّائفة الرّابعة مقتصرا عليه فقال: وقيل في معناه: تصديق بالجنان وإقرار باللّسان وعمل بالأركان «٣» ، أمّا ابن حجر فقد اقتصر على الطّائفة الأولى عند ما قرّر: أنّ الإيمان هو تصديق الرّسول صلّى الله عليه وسلّم فيما جاء به عن ربّه «٤» .

وقال الكفويّ: الإيمان عرفا: هو الاعتقاد الزّائد على العلم، وشرعا: هو إمّا فعل القلب فقط أو اللّسان فقط أو فعلهما جميعا، أو هما مع سائر الجوارح «٥» .

[بماذا نؤمن؟]

جاء في حديث جبريل المشهور بيان لأصل الإيمان الّذي هو التّصديق الباطن وفيه تفصيل لما يجب أن نؤمن به، وذلك جوابا عن قوله صلّى الله عليه وسلّم: «فأخبرني ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشرّه، قال صلّى الله عليه وسلّم صدقت» «٦» . فقسّم الإيمان بحسب ما يؤمن به إلى


(١) بتلخيص عن الإمامين العيني والتهانوي في المرجعين السابقين، عمدة القاريء (١/ ١١١) ، وكشاف اصطلاحات الفنون (١/ ١٣٧) .
(٢) التعريفات للجرجاني (٤١) .
(٣) شرح العقيدة الطحاوية (٣٧٣) .
(٤) فتح الباري (١/ ٤٦) .
(٥) انظر الكليات للكفوي (٢١٣) وقد أفاض في شرح هذا التعريف في الصفحات (٢١٣- ٢١٧) ونقل كلامه بحذافيره يخرج عن أغراض هذه الموسوعة فليرجع إلى هناك من شاء.
(٦) انظر الحديث بتمامه في صحيح مسلم بشرح النووي ج ١ ص ١٥٧.