للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفلاح. وبذلوا نفوسهم في طلب الوصول إلى محبوبهم. تالله لقد حمدوا عند الوصول سراهم «١» .

وشكروا مولاهم على ما أعطاهم. وإنّما يحمد القوم السّرى عند الصّباح.

إقامة البيّنة: لمّا كثر المدّعون للمحبّة طولبوا بإقامة البيّنة على صحّة الدّعوى. فلو يعطى النّاس بدعواهم لادّعى الخليّ «٢» حرقة الشّجيّ «٣» . فتنوّع المدّعون في الشّهود. فقيل: لا تقبل هذه الدّعوى إلّا ببيّنة قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ (آل عمران/ ٣١) . فتأخّر الخلق كلّهم. وثبت أتباع الحبيب في أفعاله وأقواله وأخلاقه. فطولبوا بعدالة البيّنة بتزكية يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ (المائدة/ ٥٤) . فتأخّر أكثر المحبّين وقام المجاهدون، فقيل لهم: إنّ نفوس المحبّين وأموالهم ليست لهم. فهلمّوا إلى بيعة إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ (التوبة/ ١١١) . فلمّا عرفوا عظمة المشتري، وفضل الثّمن، وجلالة من جرى على يديه عقد التّبايع: عرفوا قدر السّلعة، وأنّ لها شأنا. فرأوا من أعظم الغبن أن يبيعوها لغيره بثمن بخس. فعقدوا معه بيعة الرّضوان بالتّراضي، من غير ثبوت خيار. وقالوا: «والله لا نقيلك ولا نستقيلك» . فلمّا تمّ العقد وسلّموا المبيع، قيل لهم:

مذ صارت نفوسكم وأموالكم لنا رددناها عليكم أوفر ما كانت، وأضعافها معها وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ* فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ. إذا غرست شجرة المحبّة في القلب، وسقيت بماء الإخلاص ومتابعة الحبيب أثمرت أنواع الثّمار. وآتت أكلها كلّ حين بإذن ربّها.

أصلها ثابت في قرار القلب. وفرعها متّصل بسدرة المنتهى. لا يزال سعي المحبّ صاعدا إلى حبيبه لا يحجبه دونه شيء إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ (فاطر/ ١٠) .

وإنّما يتكلّم النّاس في أسبابها وموجباتها، وعلاماتها وشواهدها، وثمراتها وأحكامها. فحدودهم ورسومهم دارت على هذه السّتّة. وتنوّعت بهم العبارات. وكثرت الإشارات، بحسب إدراك الشّخص ومقامه وحاله، وملكه للعبارة.

[الأسباب الجالبة لمحبة الله والموجبة لها:]

وهي عشرة:

أحدها: قراءة القرآن بالتّدبّر والتّفهّم لمعانيه وما أريد به.

الثّاني: التّقرّب إلى الله بالنّوافل بعد الفرائض.

فإنّها توصّله إلى درجة المحبوبيّة بعد المحبّة.

الثّالث: دوام ذكره على كلّ حال: باللّسان والقلب، والعمل والحال. فنصيبه من المحبّة على قدر نصيبه من هذا الذّكر.

الرّابع: إيثار محابّه على محابّك عند غلبات الهوى.

الخامس: مطالعة القلب لأسمائه وصفاته، ومشاهدتها ومعرفتها. وتقلّبه في رياض هذه المعرفة ومباديها. فمن عرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله: أحبّه


(١) سراهم: مسيرهم إلى آخر الليل أي في وقت السرى.
(٢) الخلي: يقال رجل خليّ لا زوجة له وامرأة خلية لا زوج لها.
(٣) الشّجيّ: الحزين يقال: أشجاه الشيء أغصه، ورجل شج: حزين، والشجي- بتخفيف الياء- هو الذي أصابه الشجى وهو الغصص، وأما الحزين فهو الشجيّ- بتشديد الياء. ومعنى المثل: ويل للمحب من عاذله.