للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعدّوا حدود الله، وهذا جامع لما ذكر، لأنّ السّرف والإسراف مجاوزة القصد، يقال: أسرف في ماله: عجل من غير قصد (أي اعتدال) «١» .

قال ابن منظور: وأمّا السّرف الّذي نهى الله عنه فهو ما أنفق في غير طاعة الله، قليلا كان أو كثيرا، ويقال: أسرف في الكلام وفي القتل: أفرط، وسرف الماء ما ذهب منه في غير سقي ولا نفع «٢» .

[الإسراف اصطلاحا:]

قال الجرجانيّ: الإسراف: هو إنفاق المال الكثير في العرض الخسيس، وقيل: هو تجاوز الحدّ في النّفقة، وقيل: هو أن يأكل الرّجل ما لا يحلّ له أو يأكل ممّا يحلّ له فوق الاعتدال ومقدار الحاجة. وقيل: هو تجاوز في الكمّيّة فهو جهل بمقادير الحقوق «٣» .

وقال المناويّ: الإسراف: هو الإبعاد في مجاوزة الحدّ «٤» .

[مظاهر الإسراف وأنواعه:]

قال الرّاغب: الإنفاق ضربان: ممدوح ومذموم.

فالممدوح منه ما يكسب صاحبه العدالة، وهو بذل ما أوجبت الشّريعة بذله، كالصّدقة المفروضة والإنفاق على العيال ... الخ.

والمذموم ضربان: إفراط وهو التّبذير والإسراف، وتفريط وهو التّقتير والإمساك، وكلاهما يراعى فيه الكمّيّة والكيفيّة، فالأوّل من جهة الكمّيّة أن يعطي أكثر ممّا يحتمله حاله.

ومن جهة الكيفيّة بأن يضعه في غير موضعه، والاعتبار هنا بالكيفيّة أكثر منه بالكمّيّة، فربّ منفق درهما من ألوف وهو في إنفاقه مسرف، وببذله مفسد ظالم، كمن أعطى فاجرة درهما، أو اشترى خمرا. وربّ منفق ألوفا لا يملك غيرها هو فيها مقتصد، وببذلها مجتهد، كما روي في شأن الصّدّيق أبي بكر- رضي الله عنه- وقد قيل لبعضهم: متى يكون بذل القليل إسرافا والكثير اقتصادا؟ قال: إذا كان بذل القليل في باطل والكثير في حقّ.

أمّا الثّاني: وهو التّقتير فهو من جهة الكمّيّة أن ينفق دون ما يحتمله حاله، ومن حيث الكيفيّة، أن يمنع من حيث يجب، ويضع حيث لا يجب. وليس الإسراف متعلّقا بالمال وحده، بل في كلّ شيء وضع في غير موضعه اللّائق به، ألا ترى أنّ الله تعالى وصف قوم لوط بالإسراف لوضعهم البذر في غير المحرث فقال:

إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (الأعراف/ ٨١) ووصف فرعون بقوله:

إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ (الدخان/ ٣١) «٥» .

[للاستزادة: انظر صفات: التبذير- الغلو- الطيش- السفاهة- التفريط والإفراط- اتباع الهوى.

وفي ضد ذلك: انظر صفات: التوسط- الجود الكرم] .


(١) تفسير القرطبي (١٥/ ٢٠٧) .
(٢) مقاييس اللغة (٣/ ١٥٣) ، والمفردات للراغب (ص ٢٣٠) ، والصحاح (٤/ ١٣٧٣) ، والنهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير (٢/ ٣٦٢) ، بصائر ذوي التمييز (٣/ ٢١٦) ، ولسان العرب لابن منظور (سرف) (١٩٩٦) ، ط. دار المعارف.
(٣) التعريفات للجرجاني (٢٣، ٢٤) .
(٤) التوقيف (٥٠) .
(٥) الذريعة في مكارم الشريعة للراغب (٤١٠، ٤١١) بتصرف.