للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وروى أحمد «١» أن الملأ من قريش اجتمعوا في الحجر فتعاقدوا باللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ونائلة وإساف: «لو قد رأينا محمدا لقد قمنا إليه قيام رجل واحد فلم نفارقه حتى نقتله» ... وأخبرته ابنته فاطمة بالذي قالوا، فجاءهم وحصبهم بقبضة من تراب، من أصابته منهم قتل يوم بدر كافرا.

وروى الإمام أحمد «٢» من حديث أنس، أن جبريل- عليه السلام- جاء ذات يوم إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو جالس حزينا قد خضب بالدماء، ضربه بعض أهل مكة، فقال له مالك؟ قال: «فعل بي هؤلاء وفعلوا» . فقال له جبريل: أتحبّ أن أريك آية؟ قال: «نعم» ، فنظر إلى شجرة من وراء الوادي فقال: ادع بتلك الشّجرة، فدعاها، فجاءت حتى قامت بين يديه، فقال مرها فلترجع، فأمرها فرجعت إلى مكانها، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «حسبي» .

ويرى ابن كثير «٣» ان غالب ما وقع للرسول صلّى الله عليه وسلّم من أذى، كان بعد وفاة عمه أبي طالب.

[اضطهاد قريش للمسلمين:]

ونال أبا بكر- رضي الله عنه- نصيبه من الأذى، حتى فكر في الهجرة إلى الحبشة فرارا بدينه «٤» .

وقام أبو بكر خطيبا في المسجد الحرام ذات يوم فضربه المشركون ضربا شديدا، وممن ضربه عتبة بن ربيعة حيث جعل يضربه على وجهه بنعلين مخصوفتين حتى ما يعرف وجهه من أنفه. وجاء بنو تميم يتعادون، فأجلت المشركين عن أبي بكر، وحملوه في ثوب إلى منزله، ولا يشكون في موته، وأقسموا لئن مات أبو بكر ليقتلن عتبة بن ربيعة «٥» .

وكان عم عثمان بن عفان يلفه في حصير من أوراق النخيل، ثم يدخنه من تحته «٦» . وروي أنه عند ما أسلم أخذه عمه الحكم بن أبي العاص بن أمية فأوثقه رباطا، وأقسم ألا يحله إلّا إذا ترك الإسلام، فأقسم عثمان على عدم تركه الإسلام، فلما رأى عمه صلابته في دينه تركه «٧» .

ولما علمت أم مصعب بن عمير بإسلامه أجاعته وأخرجته من بيتها، وكان من أنعم الناس عيشا، فتخشف جلده تخشف الحية، وحتى حمله أصحابه على قسيهم، لشدة ما به من الجهد «٨» .

وعند ما سمع أبوذر الغفاري بخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم جاء ودخل مكة، وأخذ يسأل عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ضربه أهل مكة حتى غشي عليه، وكاد أن يموت، فخلصه العباس- رضي الله عنه- منهم «٩» .


(١) المسند (٤/ ٢٦٩/ ح ٢٦٧٢) .
(٢) الساعاتي- الفتح الرباني (٢٠/ ٢٢٠) .
(٣) البداية والنهاية (٣/ ١٤٨) .
(٤) انظر الحديث بتمامه من رواية البخاري- الصحيح (فتح الباري ١٠/ ٤٣- ٤٤/ ح ٢٢٩٧) .
(٥) ابن كثير- في البداية (٣/ ٣٣- ٣٤) .
(٦) المنصور فوري- رحمة للعالمين (١/ ٥٢) .
(٧) ابن سعد- الطبقات (٣/ ٥٥) من رواية الواقدي.
(٨) ابن إسحق- السيرة، ص/ ١٩٣، بسند معضل.
(٩) طرف من حديث في قصة إسلام أبي ذر، متفق عليه: البخاري- الصحيح (فتح الباري ١٤/ ٣٣/ ح ٣٥٢٢) ، مسلم- الصحيح (٤/ ١٩٢٠/ ح ٢٤٧٣) ، (٤/ ١٩٢٣- ٢٤/ ح ٢٤٧٤) .